قصر وقبر... ومأوى ومثوى
كم من عظيم مهيوب ومحبوب ينطبق عليه قول أبو العتاهية عندما قال:
وكم قد عزّ من وال يحف به قنابلـه
يخاف الناس صولته ويرجى منه نائله
فلما أن أتاه الحــق ولى عنه باطلـه
فغمض عينه للمـوت
واسترخت مفاصله
ويصبح شاحط (المثوى)
مفجعة ثواكلــه
هذا حال العظماء من القصر إلى القبر... أما "البسطاء" أمثال الذي ذكرت عنه إحدى الصحف النص التالي.. [بعد أن (استحم حضرته).. لف (جسمه) (بثوب)... وتوجه مع رفاقه (في سيارته) إلى (منزله) الجميل.. حيث أقيمت (حفلة) رائعة.. إلخ.]
وبعد يوم واحد مات هذا السيد فتغيرت بعض كلمات العبارة السابقة وأصبحت كالتالي: ".. بعد أن (غسّلوا الفقيد) لفّوا (جثمانه) (بكفن)... وكان رفاقه (في جنازته) حيث توجهوا (بنعشه) إلى (مثواه الأخير) وأقيم (العزاء).. إلخ".
وسبحان الدائم، عندما تحول الحي إلى ميت.. تحول (الاستحمام) إلى (تغسيل) و(الحضور إلى فقدان) و(الجسد إلى الجثمان) و(الثوب إلى كفن) .. و(الصحبة إلى جنازة) و(السيارة إلى نعش) و(الحفلة البهيجة إلى العزاء الحزين) و(المنزل إلى قبر) حيث مثواه الأخير.
ترى ما مثواه الأول؟ والثاني؟ .. و.. إلخ. قبل أن يستقر في مثواه الأخير؟
و(المثوى) لغة هو المنزل أو المقام.. والمثوى لغة أيضا هو القبر... وإذا قلنا مثواه الأخير فإننا نقصد القبر، ولأن الفقيد لم يقبر عدة مرات! إذن.. سؤالنا ما زال قائما عن كل مثوى قبل المثوى الأخير.
وإذا كان المثوى هو مكان نقيم فيه.. فإن البشر يتفقون في (مثواهم الأول داخل الأرحام).. ويتفقون أيضا (في مثواهم الأخير داخل القبور)... ولكنهم يختلفون في المثاوي التي بين الأول والأخير.. فبعضهم ينتقل فورا من جوف أمه إلى جوف الأرض.. وبعضهم يمر في مسيرة حياته على (مثاوي) مختلفة باختلاف الحظوظ والمقادير... فمنهم من (يثوي) في كوخ ومنهم من يقيم في شقة ومنه من يستريح في (قصر)... ومنهم من يقبع في (مصحة) ومنهم من يرقد في (مستشفى) ومنهم من ينثبر في (سجن)... ومنهم من يكابد في (ديار الغربة) أو يجالد في (دار الزوجية).
وفي عالم الحيوان لا يختلف الوضع كثيرا، حيث يكون (المثوى) الأول: رحم أمه) و(المثوى الأخير: بطن مفترس على الأغلب).. وأثناء حياته ينتقل من جحر إلى جحر أو من مغارة إلى أخرى... أو ما شابه ذلك.
وفي عالم النباتات لا يوجد إلا مثوى واحد فقط في الأرض دائما مثواها الأول... والأخير.
و(المثوى الأخير) فيه خطأ شائع بالنسبة للإنسان.. والصحيح أنه (المثوى ما قبل الأخير)... حيث بعده جنة عرضها السموات والأرض.. أو نار شررها كالقصر...
وكما قال الشاعر كعب بن زهير
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول
والسؤال (للثائر) ما الفرق بين "المثوى" و"الثبور"، وهل يثوي؟ أو ينثبر؟