التغييرات في المشاريع
من غير المنطقي لأي طرف في مشروع ما التسليم بعدم تعرض المشروع لتغييرات قد يكون لها أثر فيما يحتويه المشروع من أعمال، بما في ذلك مدة تنفيذ المشروع والتكلفة المعتمدة لذلك. يعود ذلك إلى أمور عدة، أولها حقيقة يقبلها الجميع، ألا وهي أنه تم وضع خطة المشروع بناء على افتراضات عديدة قد يثبت الزمن صحتها من عدمها، كما أن التغييرات قد تحصل نتيجة تطورات في التقنية، مما يتطلب إحداث تغيير في المشروع للاستفادة من تلك التطورات.
يضاف إلى ذلك أن التغيير قد ينتج عن تغير متطلبات واحتياجات مالك المشروع أو الأطراف التي ستستخدم المشروع عند إنجازه، أو ظهور قوانين وشروط محلية أو عالمية قد تدعو الحاجة إلى تلبيتها. وبالطبع، هناك تغييرات كثيرة أخرى، منها ما يجب وضع حد له ومنع حدوثه في المشروع لما له من تأثير سلبي في الفائدة المخططة للمشروع، مثل التغييرات التي تحدث جراء أخطاء في تصميم ودراسة متطلبات المشروع.
ولكي تتم إدارة التغييرات بأسلوب صحيح وفاعل يتعين تحديد الخطوات الواجب اتباعها لدراسة وتقييم كل تغيير واتخاذ القرار المناسب. وتشتمل تلك الخطوات على تقديم طلب التغيير بأسلوب رسمي، وذلك من خلال إكمال مستند يعرف باسم "اقتراح أمر تغييري" يتم من خلاله وصف التغيير المطلوب والأسباب الداعية له وأثره في مدة تنفيذ المشروع وفي المشروع بأكمله، إن يكن سلباً أو إيجاباً، مع تقديم جميع المستندات الداعمة لذلك.
بعد ذلك، يقوم مدير المشروع بتقييم التغيير، وبيان درجة أهميته للمشروع، ومقارنة ذلك بالتأثير الذي قد يتعرض له المشروع إذا ما تمت الموافقة على التغيير أو رفضه، ورفع توصية بذلك إلى الطرف المخول بالموافقة النهائية.
إذا كان القرار المتخذ هو الموافقة على التغيير فإنه يتعين على مدير المشروع حينذاك إصدار "أمر تغييري" للأطراف التي ستكون مسؤولة عن تنفيذ الأعمال التي يتضمنها ذلك الأمر والذي قد ينتج عنه تمديد أو تقليص مدة تنفيذ المشروع، وزيادة أو نقصان في تكلفة المشروع. وعلى مدير المشروع إعداد لائحة شاملة بجميع الأمور التغييرية الخاصة بالمشروع التي تمت الموافقة عليها أو رفضها أو مازالت تحت الدراسة والتقييم.
في بعض الأحيان، قد تكون إطالة مدة تنفيذ المشروع نتيجة الأمور التغييرية غير مقبولة لمالك المشروع، وذلك بسبب ارتباط المشروع بموعد مهم مثل افتتاح مؤتمر، أو بدء مهرجان، أو بداية عام دراسي، أو غيرها. ففي تلك الحالة، قد تتم زيادة قيمة التعويض المالي للأمر التغييري لتغطية الزيادة في تكلفة إسراع أو تعجيل الأعمال لكيلا يتأثر تاريخ إنجاز المشروع.
وفي أحيان أخرى، قد لا يتم التوصل إلى اتفاق مرض بين مالك المشروع والأطراف الأخرى التي تقوم بتنفيذ المشروع من ناحية التمديد الزمني أو الزيادة في التكلفة الناتجة عن أمر تغييري، مما يتطلب الرجوع إلى العقد المبرم لتحديد الآلية الواجب اتباعها للوصول إلى حل لذلك الخلاف.
وربما يتطلب ذلك اللجوء إلى خدمات ما يعرف بـ "الوسيط" لمحاولة تقريب وجهات النظر بين طرفي العقد أو "التحكيم"، الذي قد يكون محلياً أو عالمياً، وذلك من خلال تكوين لجنة من ثلاثة أعضاء يقوم كل من طرفي النزاع باقتراح أحدهم ليمثله، في حين يتم التوافق على العضو الثالث كطرف محايد. ومن خلال هذا الأسلوب، يتم الأخذ بالرأي الذي تتوصل إليه تلك اللجنة لحل الخلاف. ومن المهم جداً أن يكون هناك اتفاق مسبق بين طرفي الخلاف على اعتبار رأي تلك اللجنة ملزما لهما أم لا.
أما الأسلوب الآخر، فهو اللجوء إلى القضاء لدى الجهة المنصوص عليها في العقد لإصدار حكمها في الخلاف، مع إمكانية أن يطلب أحد أطراف الخلاف استئناف الحكم لحين الوصول إلى الحكم النهائي الملزم لأطراف التعاقد. ويعد اللجوء إلى القضاء هو الأسوأ بين الآليات المختلفة، حيث تتمثل إحدى نتائجه غير المباشرة في انتهاء العلاقة أو ترديها بين الطرفين، مما سيؤثر في إمكانية تعاملهما معاً في المستقبل. وحتى لو كانت النتيجة الربح لأحد الطرفين والخسارة للآخر، فإن كليهما سيخسر الكثير من الجهد والتكلفة، فضلاً عن تدمير العلاقة التي كان من الممكن حمايتها فيما لو تم التوافق على حل عادل لكل من الطرفين منذ البداية.