تعذيب الأطفال وبعض المسؤولين وأثرهما على التخطيط لمستقبلنا

بينما نرى ونسمع في معظم دول العالم عن قوانين وأنظمة وعقوبات لمنع تعذيب الأطفال سواء جسدي أو نفسي أو جنسي إلا أننا لا نرى لدينا أي من تلك الأنظمة. والموضوع يمتد ليشمل قوانين وعقوبات لمنع تعذيب الزوجة أو الخدم. ويهمني الآن موضوع تعذيب الأطفال وخاصة أنهم يشكلون نصيب الأسد من التركيبة السكانية الحالية والمستقبلية. ولا أعتقد أن تلك الأنظمة وضعت هباء. وإنما هي لحماية هؤلاء الأطفال الذين سيكونون عماد وجيل المستقبل الذين سيعتمد عليهم بعد الله في مواصلة نهضة البلد وإنجازاته نحو مكانة عالمية ننافس بها غيرنا من الدول. وتعذيب الأطفال في صغرهم يترك دائم تعقيدات نفسية قد تؤثر في سلوكياتهم مستقبل عندما يكبرون. وهو موضوع قد نكون عانينا منه سابق حيث إن بعض المسؤولين لدينا قد تجد لديهم بعض العقد النفسية أو الاجتماعية التي سببها تعذيب أبيه أو زوجة أبيه أو الخدم والسائقين. وبذلك فإن هؤلاء قد يسببون بعض الأخطاء التخطيطية التي تؤثر في سير حياتنا ومجريات الأمور في الدوائر والمؤسسات الحكومية. وبذلك يسببون خسائر اقتصادية قد لا نكتشفها إلا بعد خراب مالطة.
ويأتي الاهتمام بالإنسان وحقوقه كأهم ما توليه الدولة ضمن اهتماماتها الأخرى وهي إحدى أولويات الخطط التنموية التي تنفق عليها مبالغ طائلة. إلا أن اهتمام الدولة بحقوق الأطفال الذين هم أصلا لا يستطيعون أن يطالبوا أو يسمعونا صوتهم أو مدى تضايقهم، يقابله أحيانا تهاون من بعض المواطنين أنفسهم وبعض المسؤولين الذين هم أصلا جزء من المواطنين الذين تريد بهم الدولة خيرا. فيتهاون أو يتقاعس بعض المسؤولين في تنفيذ الرسالة الملقاة على عواتقهم ويستهينون بقيمة إخوانهم وأبنائهم الأطفال وهو ما لا يرضى به ولاة الأمر. أو ينتهزون الفرص لاحتلال مناصب تنفيذية أو قيادية ليسوا أهلا لها وبكل أنانية واستهتار بالمنفعة العامة بينما هم يعلمون أن هناك من هو أجدر وأحق بتحقيق المنفعة العامة للمجتمع. إن أساسيات حقوق الإنسان تعني توفير الأنظمة للبيئة القانونية والاجتماعية لحفظ الأوضاع المعيشية المناسبة لاحتياجات المواطن في البيئة المحيطة به سواء في المنزل أو في الفراغات العامة وتوفير الراحة والأمان والهدوء والطمأنينة والرقي الحضاري في ظل وجود الخدمات الأساسية للحياة الحضرية. وهو هدف لن يتحقق إلا بتضافر جهود المواطن والدولة كل بأداء واجباته.
إن من أفضل النعم نعمة الوعي الحضاري والإحساس بالمسؤولية وهي تختلف عن التعليم والانطباع الخاطئ بأن كل متعلم أو حاصل على شهادات علمية عليا يعد واعياً في سلوكياته مع إخوانه وأبناء فطرته. لقد أصبح بعض مواطنينا ضحية لتركات الطفرة وترسبات التخطيط الأجنبي الذي طمس شخصية كل منهم خلال السنوات الماضية. وهي فترة عانى منها المواطن لسنوات سلب منه كل شيء حتى الأخلاقيات التعاملية الحضارية بينه وبين إخوانه وأصبح بقايا إنسان لم ينفعه حتى تحصيله العلمي. سواء في عدم احترام الآخرين وحقوقهم أو أنظمة المرور والتهور الذي يسبب خسائر بشرية هائلة أو عدم التعاون في الإبلاغ عن المتخلفين. وما زالت بعض العصبيات مخدوعة في أمرها. فكل مجموعة بيئية مهما بلغت من التخلف أو الجهل تعتقد أنها أفضل وأسمى من جيرانها وهذا هو عين التخلف الحضاري والديني. فمتى يعي المواطن تقدير النعم التي حباه الله إياها بدلاً من النفاق الاجتماعي والإسراف والبذخ الذي يخالف تعاليم ديننا الحنيف. هذه الخصائص هي أساس الدين فماذا تركنا للتحول من الحضارة الأسمنتية إلى المدنية وأسلوب التعامل الحضري مع البناء والمدينة والنسيج العمراني والاجتماعي للمدينة وللمساهمة في عملية التخطيط والإحساس بالمسؤولية في العملية الإحصائية. ومتى ننفض غبار وترسبات التخطيط الأجنبي ونبدأ التخاطب سواسية وبلغة واحدة (هي لغتنا العربية) وأن نعيد الحياة إلى لغتنا التي عجز أبناؤها عن البر بها وهي تحتضر أمام زخم المصطلحات الإلكترونية والتجارية الحديثة ولغة الإنترنت.
وماذا أعددنا تخطيطياً لمستقبل أطفالنا الذين يعيشون ازدواجية حضرية الأولى تربوية تحت توجيهات والديهم في المنزل وبعضهم من الجيل القديم الذي شوهته سموم الطفرة، بينما الأخرى ما يواجه خارج المنزل من عالم آخر فيه منعطفات خطيرة تجعله يقف مشدوهاً ومشتت التفكير كطفل غير قادر على تصور ما سيؤل إليه مستقبله بعد حرب العولمة وتأثيرها عليه كعماد للمستقبل. والله وحده أعلم بمتطلبات هذا النشء ومنقلبهم الحضري وما يخبئه المستقبل الغامض لهم. ومتى نخلص أبناءنا من سموم العمالة الأجنبية والخدم في منازلنا ومحنة السائق الأجنبي الذي غزا بيوتنا وأصبح يستحل خصوصياتنا وينشر أوبئته الخبيثة وما تسببه من أمراض اجتماعية وتعذيب لنفسيات أطفالنا ستترك ترسباتها وعقده النفسية لأبنائنا جيل المستقبل، وإلى متى نقف ساكتين أمام هذه الظاهرة كحل لموضوع قيادة المرأة، الذي وإن لم يكن مقبولاً فإن مشكلاته بلا شك أقل بكثير من هذا البديل المريض. فمتى نحاول أن نفهم هذه الظاهرة ونوليها العناية للأزمة؟ هل وفرنا لأطفالنا مدخرات من تراثنا العربي الإسلامي أم أن ما بنيناه حتى اليوم مجرد وهم وسراب وحضارة أسمنتية؟
تهتم معظم دول العالم بالأطفال وتربيتهم ورعايتهم ليصبحوا مواطنين صالحين وفعالين في التنمية والتطوير والرفع من مستوى الدولة فيما يعود على الجميع بالخير والرفاهية. تضع بعض الدول خطوطا ساخنة أو مجانية للاتصال بمنظمات حقوق الإنسان أو غيرها من منظمات حفظ حقوق الأطفال. وتضطر الشرطة إلى التدخل وأخذ الأبناء من أولياء أمورهم بالقوة لتضعهم في مؤسسات أكثر صلاحية لتربيتهم.
أمنيتي أن أسمع قريب عن قرار وقوانين لحماية الأطفال والزوجات والخدم من التعذيب. وأن يتعاون الجميع سواء الشرطة أو الجيران أو الأقارب للتبليغ عن معذبي الأطفال. وأن يكون لهم الحق في ذلك وفق قانون يسمح لهم بالتدخل. وأن يتم أخذ هؤلاء المعذبين بالقوة من أهاليهم بعد أن تتم تهيئة إصلاحيات أو دور حضانة لاستقبال هؤلاء الأطفال لمواصلة تربيتهم وسط بيئة وجو اجتماعي مناسب. ودعونا نستثمر مثل هذه القرارات في أبنائنا ليصبحوا قياديين أكثر تأهيل، فقد سئمنا قرارات بعض المعقدين من مسؤولينا أو معلمينا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي