الركض خلف صور النساء
لا يخفى على الكثيرين مكانة المرأة في مجتمعنا، ولا يختلف اثنان حول وجوب احترام حقوقها وحمايتها ورعايتها وإتاحة الفرصة لها لتطوير قدراتها وإمكاناتها فهي الأم والزوجة والأخت والابنة وهي النصف الثاني من المجتمع، فدونها يغدو المجتمع مشلولاً.
وأخيرا حرصت العديد من الجهات على إبراز دور المرأة والمناداة بحقوقها والمطالبة بأن تعطى حيزاً أكبر في مختلف المجالات تستطيع من خلاله أن تقدم وجهة نظرها وتبدي رأيها في مختلف القضايا، وتشارك في تنفيذ القرار فقامت بعض الجهات الحكومية بتعيين المرأة في مناصب عليا وسعت جهات أخرى إلى أن توجد أقساماً نسائية ضمن إداراتها وعملت بعض المجالس على إضافة العنصر النسائي إليها. وهذه خطوات إيجابية مميزة أتمنى أن تتواصل وتستمر في إطار المحافظة على الأسس والثوابت، فدور المرأة في أي مجتمع دور مهم لا يمكن إغفاله، وقد غيب هذا الدور لفترة طويلة إلا أن هذه الخطوات الإيجابية ساهمت في تغيير هذا الوضع إلى حدّ ما خلال السنوات الأخيرة، وبدأت المرأة في مجتمعنا تتفاعل مع قضاياه وتحظى باهتمام أفضل في سبيل الحصول على بعض حقوقها التي كانت مفقودة في السابق، ولكن للأسف فإن البعض يعمد إلى أن يسخر هذا التوجه نحو إبراز المرأة شخصها لا إنجازها أو النجاحات التي حققتها، فتراه حريصاً كل الحرص على أن تظهر المرأة، خصوصاً السعودية، في وسائل الإعلام وبالذات في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، معتقداً أن في هذا الظهور تأكيداً بأن المرأة قد نالت شيئاً من حقوقها.
لا شك أن إتاحة الفرصة للمرأة لتقديم نشاطها ورأيها من خلال الإعلام أمر مهم، إلا أن بعض هذه الوسائل ترفض القيام بهذا الأمر دون إبراز صورة للسيدة لتضاف إلى الخبر، بل إن هناك وسائل إعلامية تقدم صورة المرأة، خصوصاً إذا كانت سعودية، على الخبر مهما كانت طبيعة هذا الخبر، فأصبحت القضية ليست قضية إبراز دور المرأة السعودية بل قضية نجاح هذه الوسيلة الإعلامية في أن تظهر صورة إحدى النساء السعوديات.
ومع القناعة التامة بالقاعدة الإعلامية التي تؤكد أن الصورة هي نصف الخبر، بل أحياناً قد تكون كل الخبر، إلا أن أمر صور النساء يعود للسيدة نفسها، ولا يمكن لوسائل الإعلام رفض نشر الخبر ما لم يكن مرتبطا بالصورة، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نمنعها من الظهور ونحجبها عن الإعلام لمن ترغب في ذلك وفق ضوابط واضحة، فما يهمنا ليس أن نرى صورة المرأة، بل ما تم تحقيقه من إنجاز أو الرسالة التي يرغب الخبر في أن يبرزها للمجتمع ليستفيد منها.
لقد أصبح هم بعض وسائل إعلامنا اليوم هو أن تنال سبقاً صحافياً مصوراً متضمناً صوراً لنساء سعوديات، وبالتالي فقد أصبح هناك سباق بين بعض الوسائل حول هذا الغرض، والفائز هو الذي يتمكن من عرض صورة لسيدة أو مجموعة سيدات، وبالتالي قد يفرد لهن مكاناً مميزاً في الصحيفة مع مساحة كبيرة تشيد بهذه الخطوة المميزة، بل إن بعض الصحافيين يؤكد أن سرعة نشر الخبر وإبرازه في بعض الصحف مرتبط ارتباطا مباشرا بموافقة صاحبة الخبر على نشر صورتها بجوار الخبر.
لدينا العديد من النماذج النسائية الناجحة، التي تظهر في وسائل الإعلام وتقدم برامج عديدة ومميزة نفتخر جميعاً بها، وهناك أيضاً نماذج نسائية أخرى ناجحة حققت العديد من الإنجازات وتفضل عدم الظهور ولكل طرف قناعته الشخصية، ولكن المهم أن نسعى للمحافظة على هوية وشخصية السيدة السعودية من الابتذال وعدم استخدامها كأداة من خلال وسائل الإعلام وكمؤشر على انفتاح المجتمع وانتشار الحرية في جنباته بدعوى إتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة، وهناك العديد من الصحف التي جعلت من صور النساء خصوصاً في صفحاتها الأخيرة عامل جذب للقراء فهل نود أن يصل الحال بصور النساء لدينا إلى هذه المرحلة؟
إن مشاركة المرأة في قضايا المجتمع أمر ضروري نؤكد عليه باستمرار، ولكن يجب علينا أن نعمل على إبراز هذه المشاركة بتوازن واضح وبصورة مميزة راقية تليق بمجتمعنا وتحافظ على مبادئنا وعاداتنا، فليس الهدف إبراز صورة المرأة بل الهدف إبراز نشاطها ومشاركتها.