عوائق في مواجهة الإرهاب

[email protected]

2 – القصور في التفسير

انتهينا في المقال السابق إلى أن جزءاً كبيراً مما يقع اليوم من فشل وإخفاق في مواجهة تجليات ومظاهر الظاهرة الإرهابية الجديدة التي يعانيها العالم اليوم يعود إضافة إلى غياب التعريف العملي لها، إلى الخلط بينها وبين الظاهرة الإرهابية السابقة المتصلة بالغلو في تفسير الإسلام بسبب ما هو قائم من مشابهات شكلية وأخرى موضوعية فيما بينهما. وفي هذه المرة نحاول أن نتطرق إلى سبب آخر من أسباب هذا الإخفاق، وهو يتعلق كما أشرنا بالمحاولات التي تبذل من أجل وضع إطار تفسيري لهذه الظاهرة لها، ومن ثم الانطلاق منه لوضع أساليب واستراتيجيات للتعامل معها بغرض القضاء عليها بصورة تامة أو تقليل المخاطر والسلبيات المترتبة عليها بأقصى درجة ممكنة.
والحقيقة أن الاختلاف بين المحللين أو صناع السياسات حول تفسير بعض من الظواهر ذات الطبيعة المهمة والمركبة ليس شيئاً جديداً أو سيئاً، ولكن المهم والضروري هو أن تقف محاولة التفسير على أرضية من المعلومات المدققة والدراسة المعمقة، وأيضاً على رغبة في الوصول إلى الحقيقة بعيداً عن أي أهواء أيديولوجية هنا أو خلافات فكرية هناك. إلا أن الواقع العملي فيما يخص اتجاهات تفسير الظاهرة الإرهابية الحالية ذات العلاقة مع الفكر الإسلامي المتطرف والمغالي يشير إلى أنها تخضع أكثر لمثل هذه النوعية من الأهواء والخلافات منها لاعتبارات المعلومات والدراسات.
وفي هذا السياق تمكن الإشارة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية في تفسير تلك الظاهرة الإرهابية المتصلة بالغلو والتطرف في تفسير الإسلام. الاتجاه الأول يركز أكثر على الأسباب الفكرية، حيث يرى أصحابه أن العطب الرئيسي يكمن في رؤوس من قاموا ويقومون بالعمليات الإرهابية، وهو في رأيهم عطب يأتي من الإسلام نفسه الذي يرون أنه ذو طبيعة متطرفة ومغالية. وبالتالي فإن الظاهرة الإرهابية ذات الصلة بالإسلام لدى أصحاب هذا الاتجاه هي ظاهرة متصلة عن طريق الفكر المتطرف الواحد أو المشترك في مختلف مراحلها، ومن ثم فهم يرون أن الإرهابيين من الإسلاميين المتطرفين من أهل السبعينيات هم أنفسهم أهل التسعينيات والألفية الثالثة ولا فوارق نوعية تذكر فيما بينهم. وهنا نعود مرة أخرى إلى الملاحظة التي ذكرناها في المقال السابق، وهي: إذا صح هذا التفسير وكان الفكر المتطرف الذي يزعم هذا الاتجاه في التفسير أنه جوهر الإسلام هو جذر الظاهرة الإرهابية في مختلف مراحلها وصورها، فلماذا اختفت تلك الظاهرة المتصلة بالإسلام لما يزيد عن قرن وثلاثة أرباع القرن منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين. كذلك فإن هذا النوع من التفسير يبدو جزءاً من مدارس التفسير العرقي ذات التوجه العنصري بكل ما يوجه إليها عادة من انتقادات تتعلق بصحة فروضها واستنتاجاتها أو بما يترتب عليها من نتائج، حيث إنه لو صح توصيفها، فإن هذا معناه أنه لا علاج للظاهرة الإرهابية لأن الأمر يتعلق بفكر مستقر وبعقلية لا تتغير وهو ما قد يؤدي إلى أن الحل الوحيد للتخلص منها لا يكون إلا بأساليب أيضاً عنصرية قد تصل إلى استئصال الأفكار عنوة أو إبادة البشر المؤمنين بها.
أما الاتجاه الثاني فهو يركز أكثر على الجانب السياسي، حيث يرى أن الموجة الإرهابية الأخيرة التي يشهدها العالم اليوم إنما أتت كرد فعل على أسباب وظواهر سياسية بعضها ذو طابع داخلي في البلدان والمجتمعات الإسلامية وبعضها الآخر ذو طابع خارجي يتعلق بالنظام الدولي كله. ويضع هذا الاتجاه بذلك الإرهاب في موضع رد الفعل وليس الفعل، وتحديداً أنه رد فعل تلقائي على ظلم دولي يحيق ببعض الشعوب في مقدمتها الشعوب المسلمة. إلا أن هذا الاتجاه لا يسلم أيضاً من النقد ويبدو غير كاف وحده لتفسير الظاهرة الإرهابية الحالية المتصلة بالتطرف الإسلامي، حيث نجد أنه في موجات سابقة للإرهاب لم تكن هناك أسباب سياسية مباشرة وراءها وأنه في كثير من الأحيان كانت الأعمال الإرهابية هي البادئة وهي الفاعلة وليست هي رد الفعل أو المفعول بها. والحقيقة أنه إذا كان صحيحاً أنه الظاهرة الإرهابية الحالية لا مهرب من أن نجد مكاناً لهذا التفسير السياسي، فإن هذا التفسير لا يستطيع أن ينسحب على كل المراحل السابقة لهذه الظاهرة، حيث تبرز عوامل وتفسيرات أخرى قد تكون بعيدة عن هذا البعد السياسي.
أما الاتجاه الثالث والأقرب للدقة والموضوعية في تفسير الظاهرة الإرهابية فهو لا يتبنى تفسيراً شمولياً واحداً ثابتاً لها، بل يرى أنها ظاهرة متعددة الأسباب وأيضاً متغيرة التعدد لهذه الأسباب بحيث تنتقل الأهمية النسبية من سب إلى آخر، ومن مرحلة إلى أخرى حسب الظروف المحيطة بهذه الظاهرة. فنجد مثلا أن العامل الفكري الذي يركز عليه الاتجاه الأول كانت له الأولوية في تفسير الظاهرة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، حيث كان متقدماً على غيره من العوامل الأخرى في الدفع نحوها، ولم يكن هذا السبب وحيداً في تلك المرحلة فقد كانت هناك أسباب أخرى مساعدة بعضها يتعلق بأوضاع سياسية, وبعضها الآخر يتعلق بأوضاع اقتصادية اجتماعية في مناطق معينة أخذت أوزاناً نسبية مختلفة، لكن ظل هناك سبب رئيسي هو الذي يكمن وراء الظاهرة. ويختلف الأمر فيما يخص الموجة الحالية من الإرهاب، حيث يظل للعامل الفكري المرتبط بالغلو والتطرف في تفسير تعاليم الإسلام دوره، إلا أن دوره فيها يتحول للدور التالي في الأهمية للعوامل السياسية المباشرة وبخاصة تلك المتعلقة بطبيعة النظام الدولي، وهي ذاتها التي مثلت الحاضنة التي ولدت بداخلها تلك النوعية من الأفكار والممارسات المتطرف والإرهابية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي