"الجود" بوجود الآخرين نفاق محمود

الجود "بالوجود" نفاق يمارسه الإنسان في كل مكان ـ وخصوصا الإنسان العربي قبل الإسلام وبعده - .. وحسب علمي أنه لم تصدر أية فتوى في جميع المذاهب بتحريمه.. وحتى لا يتبادر إلى ذهن القارئ أنني أقصد – الجود بالنفس في سبيل الله – بل أقصد "الجود بوجود الآخرين" نظريا حيث يستحيل تطبيق هذا الجود فعليا.. وكأمثلة على ذلك ما يقوله أغلب الناس (فداك أبي وأمي)؟ والسؤال هل يقصد فعلا ما يقول؟ وهل سيستسلم أبواه لرغبته؟ ودائما فإن قائل (فداك أبي وأمي) ليس جاداً بالتضحية بأبويه على أية حال؟... وإنما هو (ينافق) الآخر.. "نفاقا" متفق عليه.. لأن مثل هذا (النفاق) محبذ اجتماعيا... ومثل من قال (فداك أبي وأمي) كل الشعراء العرب قبل الإسلام وبعده شعراء الفصحى وشعراء النبط.. وكأمثلة قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة:

حدثيني وأنت غير كذوب أتحبينني (جُعلت فداك)

فهل كان صادقا عندما قال (جعلت فداك) ... بل ـ نفاق محبين ـ. وقول جرير عندما يقدم أباه وأمه قربانا – لعطاء يناله – من آخر...

أغثني (يا فداك أبي وأمي) بسيب منك أنك ذو ارتياح

والمعتمد بن عباد يضحي (بسمعه وبصره) – وهو غير جاد إذا جد الجد – من أجل "ملهمته" بقوله:
يا صفوتي من البشـــر يا كوكبـا بل يـا قمر
متـى أراك يا فــــدا ك (السمع مني والبصر)

والمتنبي الشاعر الذي ادّعى أن (الأعمى) نظر إلى أدبه والذي (أسمع الأصم) كلماته والذي قال رهين المحبسين أبو العلاء المعري.. إنه "الأعمى" الذي فعلا نظر إلى أدب المتنبي الذي قال:

أنا الذي (نظر الأعمى) إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم

المتنبي شاغل الناس... المتنبي (ضحى بالعرب جميعا وجعلهم (فداء) الممدوح) عندما قال:

وأي قبيل يستحقك قدره معد بن عدنان "فداك" ويعرب

... طبعا مبالغة... يعجز (البحر عن بلعها).

ومثله أحمد شوقي الذي جعل كل ما في الكرة الأرضية من أبكار ذوات حياء فداء لمحبوبته عندما قال:

شرفا عروس الأرز كل خريدة تحت السماء من البلاد فداك

وأبو العتاهية عندما قال:
ولي فؤاد إذا طال العذاب به هام اشتياقا إلى لقيا معذبه
"يفديك" بالنفس صب لو يكون له أعز من نفسه شيء فداك به

ولا أعتقد أن أبا العتاهية صادق ببذل (نفسه) من أجل جلاده؟؟؟!

وهذا ابن الرومي يضحي "بأهله" – وهو طبعا غير جاد – من أجل دافع "عاطفي" عندما يقول لمن يحب :

ولا تعتب على فداك "أهلي" فتضعف ما لقيت من البلاء

وهو أيضا بدافع (مادي) يضحي بأهله رغبة في عطاء يناله عندما قال:

فما هذا المطال فداك أهلي وباعك بالندى باع طويــل

بل إن "ابن الرومي" يعد السعي "لمن يعطيه" فريضة واجبة التقديم (ويضحي بالناس كلهم) من أجله عندما قال:

والسعي نحوك بعد ذاك فريضة وقضاء حقك واجب التقديم
فاعذر (فداك الناس) غير مدافع عن طيب خيمك فهو أطيب خيم

والأمثلة من الشعر النبطي والشعبي لا تعد ولا تحصى.. وكما نجد في تراثنا الشعبي عبارات لها المعنى نفسه.. مثل (يا بعد روحي)... عندما تقال في مناسبات عاطفية.

والدعوة الأخرى عندما يدعو شخص لآخر بالبقاء على حساب الآخرين بقوله ( يا بعد حيّ وميتي)... والمشكلة هنا (أهله الأحياء) الذين لن يتنازلوا – ولا عن ظفر فيهم فكيف بحياتهم الغالية-.

وأخيرا.. أتحدى أي قارئ أن يصدقني إذا قلت له (فداك نفسي أيها القارئ)!!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي