خسارة بطعم الفوز
"بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان.. ومن نجدٍ الى يمنٍ.. الى مصر فتطوان...فلا أحد يباعدنا ولا أحد يفرقنا ..."
مقولة نرددها منذ الصغر نعي بها معنى الوحدة والانتماء. تجلى ذلك في مباراة نهائي كأس الأمم الآسيوية الرابعة عشرة لأنها كانت عربية بنكهة آسيوية. فاز فيها منتخب العراق الشقيق بهدف مقابل لا شيء لمنتخبنا السعودي. فاز العراق لأنه أقوى منافس يلتقيه منتخبنا خلال البطولة الآسيوية وتفوق بسبب الأداء الفني والحماس وروح اللاعب الواحد والهجوم الذي لا يفرط في الفرص.
وكطبيعة كل البشر نفرح للفوز ولكننا أيضاً نتقبل الخسارة بروح عالية خصوصاً إذا كان الفائز دولة شقيقة تئن من جراحاتها كالعراق، أعطاها اللاعبون شيئاً تحتفل به بعد أن عز الفرح فباتت وسائل التعبير الوحيدة التفجيرات الانتحارية وطلقات الكلاشينكوف حتى ولو في الهواء.
وقد اغتنمت كأي أم فرصة المباريات لجعلها مناسبة عائلية أتابعها مع الأبناء ليدور حوار ونقاش حول أشياء تهمهم، تعزز فيهم روح الانتماء للوطن، وهي أيضاً مناسبة نتبادل فيها الآراء الرياضية التي لي فيها باع قصير، كنت أقفـز كلما سنحت هجمة وأصرخ كلما ضاعت فرصة وأناول الآخر صحن مكسرات وأفتش عن أحضان أحدهم إن أصبنا الهدف وأدعو علّ الله يستجيب. وحيث إنه لم يكن وارداً ألاَّ تكون مقالة اليوم إلا عن البطولة الآسيوية، قررت أن أشارك قراء زاويتي فيما دار خلال متابعة المباراة النهائية .
علقنا على استبسال الفريق العراقي فالكرة بين أسماء تدل على أصحابها، هوّار وكرّار ونشأت ويونس وقصي. كان الدافع قوياً للفوز تجلى ذلك في متابعة الكرة مهما كان اتجاهها وقطع الهجمات العرضية وصلابة الدفاع والوسط. وكان الدافع لدى شباب منتخبنا هو إثبات الذات حيث إن أغلب اللاعبين مازالوا على أول عتبات المشوار الكروي. كان منتخبنا يملك روح الفوز بعد تخطيه أقوى المنتخبات الآسيوية وبنتائج مشرفة وأداء رائع فهو بطل أسيا لثلاث مرات وهذه منحته دفعة معنوية قوية جعلته يظهر بالشكل المتميز الذي أثار إعجاب الجميع. فالتشكيلة السعودية الجديدة، كشفت عن إمكانات فنية للاعبين السعوديين لم يتوقعها أحد ! وقد نجحت توليفة المدرب البرازيلي هيليو أنجوس رغم الانتقادات الشديدة التي واجهته بعد استبعاده بعض اللاعبين وإدخاله دماء جديدة أحيت الأمل في النفوس. المشكلة ليست في عدم الفوز في المباراة النهائية، فهذه حال كرة القدم، غالب ومغلوب، فالخسارة هذه المرة حملت طعم الفوز الفاخر الذي سنتباهى به دوماً. إنما المشكلة هي في الذي سيحدث بعد ذلك؟ ما هي المرحلة القادمة ؟
سألت الأولاد بعد انتهاء المباراة: ما هو المطلوب، في رأيكم، من منتخبنا السعودي ليستمر على هذه الصورة المشرفة؟ وليداوم على النمو والازدهار؟ فانفتح باب نقاش كبير وعرفت معلومات لم أكن أعرفها في الشأن الرياضي، و اتفقنا في نهاية الحوار على هذه النقاط:
أولاً: إن تشكيلة المنتخب بذرة جديدة أثبتت قوتها وقدرتها على عكس التوقعات، والمطلوب هو تثبيت هذه التشكيلة الحالية حتى عام 2010م ودخول التصفيات المؤهلة لكأس العالم، وبعدها لكل حادث حديث! ثانياً: إبقاء المدرب أنجوس مع منتخبه، لتأسيس روح الثبات والاستقرار، فالقاعدة القديمة لدينا كانت تقضي باستبدال المدرب حالما تمد لنا الخسارة لسانها، بينما المطلوب الآن الاحتفاظ بالمدرب لمدة نستطيع بعدها الحكم، فالتشكيلة الجديدة خامة جيدة ومتناغمة لكنها تحتاج بالتأكيد إلى تدعيم الاستقرار وتشجيع النمو. ثالثـاً: تعزيز الوعي الكروي الوطني بمعنى أن تعمل الأندية المحلية بكل أهدافها وخططها وسياساتها للمصلحة الوطنية أولاً ثم لمصلحتها المحلية. ويتأتى ذلك بعدم إرهاق لاعبي المنتخب في دوريات ممطوطة ومباريات مكثفة ومعسكرات خارجية بلا تخطيط هادف يضمن استثمار مهارات اللاعب بشكل جيد لمصلحة المنتخب أولاً ثم للنادي المحلي. ورابعاً: أن يلعب الإعلام دوره بجدارة فلا يطبل ليصيب الجديرين بالغرور ولا يخسف بالمخفقين إلى سابع أرض ليصيبهم بالإحباط والأسى فالعامل النفسي مهم جداً.
ومما لاشك فيه أن الثقة التي منحت للمدرب البرازيلي أنجوس من قبل قيادتنا الرشيدة، والمتابعة والتوجيه من قبل الأمير سلطان بن فهد رئيس الإتحاد السعودي لكرة القدم، والمعايشة اليومية والاهتمام الذي أحس به أعضاء المنتخب فرداً فرداً من سمو الأمير نواف بن فيصل، قد ساهمت بشكل كبير في تحقيق هذا التقدم والوصول إلى كأس النهائي الآسيوي، فمبروك لمنتخبنا هذا الأداء المشرف الذي نرفع به الرأس. ومبروك لمنتخب العراق الذي حقق نصراً يحتاجه بشدة. ومبروك أن كانت البطولة النهائية عربية.
لكن مازال أمامنا الكثير لنفعله حتى كأس العالم القادم ... الهدف أن يرفرف علم المملكة في كل المحافل الدولية حتى لو خسرنا بعض المباريات.. وتجربة كأس أمم آسيا أثبتت أن المستطيل الأخضر قد أنجب لنا صقوراً جدد لهم ريش ولكننا نريدهم بأجنحة وطرابيش ... أجنحة تحملنا إلى كل العالم، وطرابيش تجعلنا نستحق بجدارة أن نتربع على عرش كرة القدم في يوم مــا.. وسأظل أردد مع الأولاد بصوت عال، هيييـه إلعب يالأخضر إلعب شوووت، حرة أبية يا السعودية.