الملك عبد الله.. بولندا ورسالة الخير
إن من عاش ويعيش في العالم الغربي خصوصاً قبل أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) يعرف أن تلك المجتمعات لا تعيش حالة من التوتر السياسي أو الشك في الآخر أو أنها تعتقد أن العالم الآخر أو الدول المجاورة تضمر لها الشر أو الحقد أو الحسد، من عاش بينهم يجد فيهم تلك السماحة الإسلامية التي تنعكس من غير المسلمين وتؤكد المقولة المشهورة " تركت إسلاما بدون مسلمين، وجئت إلى مسلمين بدون إسلام"، ورغبتهم الصادقة في معرفة الآخر وثقافته، ويصدقون كل ما يقال لهم حتى لو قلت لهم إنك جئت من السعودية على جمل وعبرت به المحيط وأوقفته في أحد مواقف السيارات في مدينة نيويورك بعد وصولك لصدقوك، القصص التي يمكن أن تكتب أو تحكى عنهم وعن رغبتهم في العيش بسلام يطول شرحها، طبعاً كل ذلك وأكثر يختلف عندما تقترب من البيت الأبيض وما حوله أو ما شابهه في العالم، حيث يعيش الجميع هاجس المؤامرة والخوف الذي ربما لا يكون حقيقيا خصوصاً عندما يقود الفكر السياسي العقل العسكري أو التجاري العسكري أو . . . أو. . .
لقد جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى بولندا لتعكس كيف أن العمل الإنساني يجد له صدى في القلب الإنساني، لقد خرج أغلب سكان العاصمة البولندية للترحيب بالملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية ليس لأنه جاء يوزع الهدايا أو يمنح الهبات أو الشرهات ولكن ليظهروا له مقدار حبهم وتقديرهم للعمل الإنساني الجميل الذي احتضنه ورعاه ملك الإنسانية في مملكة الإنسانية واهتمامه بفصل التوأمتين السياميتين البولنديتين. لقد كان المشهد مؤثرا في النفس بشكل كبير، فيما العالم من حولنا يغلي ويقتل بعضه بعضاً نجد أن هناك مجتمعا مدنيا إنسانيا يقدر لهذا الملك السعودي العربي المسلم عمله الإنساني وتخرج لاستقباله والترحيب به، لقد عكست الكاميرا التلفزيونية التي رافقت الموكب ذلك الحب والتقدير لملك يحاول أن يقدم للعالم أجمع النموذج العربي الإسلامي الصادق للتعامل والعمل، ليقول للعالم أن شرذمة من البشر قامت ببعض الأعمال الدموية هنا وهناك لا تمثل الإسلام بأي حالٍ من الأحوال، وإنما تقدم نموذجا للإنسان الفاسد في أي مكان.
إن خروج رئيس الجمهورية للمطار لاستقبال خادم الحرمين الشريفين وصحبه مخالفاً بذلك البرتوكولات والأعراف الدولية للدولة، كان الهدف منه إرسال رسالة للعالم أجمع أن الشعوب المتحضرة تقدر الإنسان المعطاء ذا الروح والقلب الإنساني، وتقدر لهذا البلد احتضانه أعمال الخير وسعيه الدؤوب لرأب الصدع وردم الفجوة بين الحضارات والتأكيد على أن الدين الإسلامي دين سلام ومحبة، وأنه الدين الذي تعهده الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات وطلب من أتباع هذا الدين أن يسعوا للتعريف به ونشره في مختلف أقطار العالم.
إن هذا الموقف الإنساني لخادم الحرمين الشريفين والذي لم يقدره بعض أهله ورأوا فيه شيئا من المبالغة أو غير ذلك مما يقصر العقل غير الواعي أو الفاهم لمتطلبات العصر وعقليات المجتمعات الغربية ما خلفه من رسالة إعلامية مهمة تقول للعالم أجمع هذه السعودية حاملة راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ذات العلم الأخضر رمز السلام والمحبة لم تفرق بين مسلم وغير مسلم أو بين أبيض وأسود عندما يكون العمل إنسانيا والرحمة مطلوبة.
لقد حدث معي شخصياً موقف في مدينة نيويورك، ومدينة نيويورك يعيش فيها أكثر من 14 مليون إنسان، من مختلف شعوب العالم الغني والفقير، فيها جميع لغات العالم، وجميع أثرياء العالم، وجميع لصوص العالم، وجميع متخلفي دول العالم إلى آخر القائمة من المتناقضات التي يندر وجودها في مدينة واحدة، إلا أن ما يوحد مدينة نيويورك هو لون سيارات الأجرة الصفراء المعروف عن سائقيها أنهم من أشرس الأشخاص وأن تعاملهم في الغالب يصحبه الكثير من الغلظة والريبة في الآخر، أعود للموقف الذي حدث لي في نيسان (أبريل) عام 2005م وكنت أرغب في الانتقال من موقع إلى آخر فأوقفت سيارة أجرة وطلبت من سائقها إيصالي لوجهتي والتزمت الصمت كما هي عادتي في مثل سيارات الأجرة الصفراء في نيويورك، ولسبب لا أعلمه سألني السائق وكان رجلا ضخم البنية أشقر الشعر والجلد، من أين أنت؟ فكرت بسرعة للبحث عن أي دولة أنتسب إليها، وقررت ألا آتي على ذكر السعودية أبداً، وكيف أقول له إنني سعودي وأنا في مدينة نيويورك التي عاشت في عام 2001م غزوة منهاتن كما يسميها جهال الخوارج، ولكن وجدت نفسي أقول له من السعودية رد علي بشكل طبيعي من السعودية، قلت لا حول ولا قوة إلا بالله وبدأت أستعد لنطق الشهادتين ولكن الرجل استمر في حديثه، وقال هل رئيسكم الملك عبد الله قلت له هو الأمير عبد الله وهو ولي عهد المملكة وله مكانة الأب والملك في قلوب شعبه، قال إن هذا الأمير شهم وإنسان عظيم، واستمر يذكر الملك عبد الله بما يستحق، استوقفت السائق عن الكلام وسألته كيف تعرفه وتعرف هذه الأوصاف عنه، قال لي إنني من بولندا، وتابعت قصة فصل التوأمتين السياميتين عبر التلفزيون وسمعت عن موقف هذا الأمير الشهم، لقد استمر الحديث طوال الرحلة وفي نهايتها وعندما هممت بالترجل من السيارة ودفع الأجرة رفض سائقها أن يأخذ هللة واحدة (طبعاً بني واحد) وقال بالحرف الواحد إن شعبا يملك مثل هذا الإنسان العظيم يستحق كل التقدير والاحترام، لقد كان لهذا الموقف عظيم الأثر في نفسي، لسببين أولهما أن يتصرف سائق أجرة في مدينة نيويورك بمثل هذا التصرف الإنساني، وثانيهما كيف أن العمل الإنساني للملك الإنساني وصل إلى سائق أجرة بسيط في مدينة لا تنام ولا تهدأ، مما يدل على أن عمل الخير يصل أثره إلى كل إنسان متى أخلص الفاعل لهذا العمل عمله لوجه الله سبحانه وتعالى.
لقد كانت رحلة خادم الحرمين الشريفين إلى بولندا دليلا على مدى تأثير الخير في قلوب الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم، هذا العمل الإنساني الذي أخرج سكان العاصمة البولندية للترحيب بخادم الحرمين الشريفين وشكره على عمله الإنساني، هذا الخروج الذي لم يتم بعصا الجلاد أو أمر العسكر وإنما من حب الشعب البولندي لملك المملكة العربية السعودية، ملك الإنسانية والعمل الصالح.
لقد أثبت هذا العمل الخير الإنساني لخادم الحرمين الشريفين أهمية إعادة النظر في منهج وأسلوب نشرنا لديننا الإسلامي الحنيف وأهمية الدعوة لله سبحانه وتعالى بالموعظة الحسنة وإظهار الجوانب المشرقة حتى يرى الناس منا عظيم ديننا وحسن أخلاقنا، وهو ما أثبته التجار المسلمين الذين تعاملوا مع شعوب العالم بالمعاملة الصادقة الأمينة ونشروا من خلال ذلك الدين الإسلامي بالمحبة والسلام بعكس ما نشر بالقتل والدمار والعنف, وأختم بتهنئة ورجاء التهنئة لمعالي الدكتور عبد الله الربيعة وفريق العمل على هذا الجهد والمواطنة الصالحة والفهم الوعي لاستثمار مثل هذه الأعمال لإبراز دور المملكة الإنساني من خلال حملة إعلامية هادفة، والرجاء ألا يطالبني معالي الدكتور عبد الله الربيعة بأجرة ذلك التاكسي والأرباح المترتبة عليها ومنها.
وقفة تأمل:
"لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه كما إن قد حشا قلبي محبات
الناس داء وداء الناس قربهم وفي اعتزالهم قطع المودات".