تيسير الجاسم.. المتحوِّل
* أهلا بكم في مقتطفات الجمعة-206، وأرجو أن تنال رضاكم.
***
* من أين نبت هذا اللاعب، تيسير الجاسم؟ إنه نبتة مفاجأة تظهر في الحقل ثم تطغى على أنواع زرعه فتزهر وتأخذ البصر. في مباراة البحرين كان تيسير الجاسم اللاعب الحلم، اللاعب الذي يحلم به أي مدرب، ويحلم أي لاعب أن يكونه. من زمن لم نر هذه اللياقة المدهشة، وهذه الحركة الدائبة، وهذا الذكاء البوصلي في اتجاهات الملعب. إنه اللاعب السريع التحول، من درع مكينة في الدفاع، إلى رمح ملتهب في الهجوم، وإلي بوصلة ثابتة الاتجاه في التهديف، ومسطرة ماسحة في التمرير، وتسلل شبحي بين الصفوف كزوبعة لا تراها إلا وأنت في عينها، ومنجنيق ماحق فقد كاد يحول المباراة إلى مذبحة للشباك البحرينية لو استقبلت هدفين منه ( وأكثر) كانا على حدود التحقق. المنتخبُ السعودي، بتيسير، في طريقه لنسج فريق من خيوط الذهب.. ولكن على "الرجل المتحوِّل" أن يتذكر شيئا مهما وهو أن الذهب لا يتغير.. وإلا صار صفيحاً!
***
* .. وأضيف أن حامي الصفوف الخلفية للكتيبة السعودية كان استثنائيا، ولولا التوفيق والمهارة والسرعة الضوئية الارتدادية، بل وقراءة نيات المهاجمين بأجزاء الثانية قبل قذف الكرة.. لكانت الحكاية رويت بشكل معاكس لما صار. بل ربما أقول إنه الرجل الذي غير كل تكوين المباراة، لو لم يرد ثلاثة أهداف بحرينية بما يضارع الخيال، لو تحققت لكانت المنامة إلى اليوم ترقص من أقصاها لأقصاها، ولكن "ياسر المسيليم" قرر أن يغير السيناريو في أول المباراة لتكون نهاية القصة فوزا سعوديا صريحا.. لقد وفر المسيليم أمانا أكيدا للظهر السعودي، فانطلقت الكتيبة دون أن تلتفت خوفا للوراء ولا مرة .. بل إنه غطى عيوبا صريحة في أكثر من مرة من هفوات عميقة للدفاع نتيجة طريقة اللعب المفتوح. أمس حارسُنا مسح ما كادت أن تكتبه التوقعات للبحرينيين..
***
* ودائما ياسر.. هذا الشاب نضج ليصير كبيرا فعلا.. كان قائدا بكل جمالية الكباتن الكبار، وقدم فاصلا جميلا في التخطيط، ونقل اللعب، وإدارة اللاعبين، وتوزيع المهام بتمريراته، وسمح للمهاجمين أن يسجلوا بفتح الخنادق وراء الدفاع.. والتميز، إنه لم يجار غريزته كمهاجم موسوم بقوة التهديف ، بل عمد أن يكون مموّنا، ومتحركا يتبعه الدفاع المقابل، لعبة أتقنها بالتناوب مع غزال الكرة السعودية مالك معاذ، ليفتحا الممرات لينفجر وسط الدفاع البحريني أحمد موسى القادم بقوة لكي يكون ضمن باقة النسيج للفريق الذهبي..
***
* وهل كان البحرين منتخباً سهلا؟ أبدا. بل هو واحد من أقوى المنتخبات في آسيا، فريق مرعب، ولكنه تأتي عليه سماء ماطرة فيهرب من الصواعق، لم يكن للبحريني القوي الفتي الماهر القوي أن يُهزم بطريقة ثقيلة لو ثبت جنانه، وأشبهه بفريق الأرجنتين الذي هو فريق الأحلام الوردية، وإذا به يتهالك كخرقة بالية أمام عزف متوسط الإمتاع من البرازيل.. ظاهرة من ظواهر المنتخبات الكروية القوية أنها تكون زوبعة سريعة ثم تنطفئ سريعا بلا إنذار.. على البحرينيين أن يعرفوا أين يكمن مولد العاصفة.. لتبقى عاصفة. اطمئناني على الفريق السعودي لم يجعلني سعيدا لأن المهزوم فريق شقيق جدا.. السعادة الحقيقية هي التي سننتظرها من الآن.. وصاعدا.
***
* ليت البحرينيين لم يعطوا وثيقة مواطنة للاعبٍ أجنبي، لقد قلل هذا من اعتبار المنتخب واللاعب البحريني، خصوصا أنه لم يساو مهارة أي لاعب بحريني بله أن يتفوق عليه. دائما تبدع الأرضُ البحرينية بلاعبين رائعين وتاريخهم يثبت ذلك.. ولم يكونوا بحاجة أبدا إلى أن يزرعوا شجرة غريبة في تربة النخيل.
***
* وفي جريدة "لوس أنجلوس" عدد 13 تموز (يوليو) الجاري هذا العنوان العريض:"وصول (بيكهام) يؤذنُ بعهدٍ جديدٍ لكرة القدم في الولايات المتحدة" ولكن للحقيقة وجهٌ آخر. فريق "لوس أنجلوس جالاكسي" بعقلية التاجر الأمريكي سيعمل من ظاهرة شعبية وكاريزما بيكهام إلى آلةٍ تنتج نقداً.. يتكلمون أنه وحده سيحقق على الأقل ربحا صافيا يصل إلى البليون دولار للفريق خلال عقده الخمسي. كما أن بيكهام سيتقاعد بعد ذلك – إن أراد- كأغنى لاعب كرة قدم محترف في التاريخ. هل يبدو أن ما تسيل له لعاب شهوة المال في الفريق الأمريكي ممكن الحصول؟ طبعا ولا نقاش. أمس فقط تسابقت شركاتٌ لحجز الدعايات واحتكار المباريات، والمناسبات، والحفلات (مجرد حضور حفلة بالشيء المعلوم أو غير المعلوم.. وانتظر ما سيخترعه مسوقو ومطورو المبيعات في النادي..) يكفي أن تعلم فقط أن شركة هيربا لايف دفعت 25 مليون دولار فقط لتضع اسمها على صدر بيكهام.. وانتظر كيف سيباع كل جزء من لباسه لمن يزيد من كبرى الشركات. من هو منجم الإلدور رادو لمن؟ جالاكسي لبيكهام، أم بيكهام لجالاكسي.. لا يهم كما يقول الأمريكان "وِن- وِن ستوايشن!" .. كلاهما في قلب المنجم!
***
* وبما أن كرة القدم أخذتنا، وما نحلم أن يكون فريقنا الذهبي، دعوني أقول لكم حقيقة مسجلة عن الذهب. لقد حاول الخيميائيون (أي العاملين في الكيمياء الخيالية) – وخصوصا في القرون الوسطى - أن يصلوا عبر آلاف طرق مزج المعادن والسوائل أن يجعلوا من المعدن البخس ذهبا.. ولكن كل أحلامهم لم تتحقق. الأعجب أنهم خلال كل هذه المحاولات المستطيرة والعنيدة والمصرة لإيجاد المعادلة للثراء والمجد اكتشفوا بالطريق المضني الأحماضَ القوية: حامض الكبريت، وحامض النتريك، وحامض الهيدروكلورايد، وهي التي في النهاية قدمت خدمات جلـّى وعملية للصناعات الحديثة أكبر كثيرا من فائدة وقيمة الذهب.. ولكنهم ماتوا مع خيبة آمالهم.. ماتوا ولم يقدر لهم اكتشافاتهم المذهلة أحد!
مع السلامة..