جدة و"أمينها" ما بين ظالم ومظلوم

[email protected]

لا يزال مقال وتعليق أستاذي عبد الله العلمي مؤثرا فيّ، حيث هناك من يرى أن جدة قاسية تارة و(ظالمة) أحياناً على شخص (أمينها)، فتاريخها وتراثها وحاضرها ومستقبلها ومشاكلها تجعلها دائما في قلب الحدث، كذلك فإن منصب (أمين جدة) يفتخر به الجداويون كثيراً، على اعتبار أنها أول مدينة تحظى بهذا اللقب، حيث كان قبل عام 1980 يسمى (رئيس بلدية) مثل: علي سلامة، ومحمد هزازي، وجميل جوخدار، وعمر نصيف، وعبد الله بحيري، وعمر باناجة، وعبد الله القصبي، وعلي أبو العلا، وعلي فدعق، وحميد حمادي، ووهيب بن زقر، وعبد الله جفري، وعثمان مال. ثم تغير الوضع مع المهندس محمد سعيد فارسي، حيث تعين تحت اسم أمين مدينة جدة بعد عام 1980 ثم خلفه الدكتور خالد عبد الغني، وتولى بعدها الدكتور عبد الفتاح بن أحمد عبد الفتاح المنصب بالتكليف، ثم نزيه نصيف، فالمهندس عبد الله المعلمي، وأخيراً المهندس عادل فقيه.
ومن المعلوم أن منصب أمين جدة يضع كل من يفوز به في مصاف النجوم، إلا أنه مطالب أن يكون حاضراً ومتوثباً وأميناً طوال الوقت وعمله يتطلب الحذر بدءا من التصريحات الصحافية وحتى إقرار المشروع وتنفيذه، لأنه مرتبط بالمجتمع والصحافة أكثر من الوزارة، وربما يرى أمين جدة المهندس عادل فقيه أن 36 شهراً من أصل أربعة أعوام لمنصبه مضت مثل (لمح البصر).
المهندس عادل فقيه الذي جاء من (رحم) القطاع الخاص، حيث المبادرات والتحرك السريع، وقع فعلياً في مطبات جدة غير (البيروقراطية) حيناً و(الميزانيات) أحياناً أخرى، ومع أن منصب (الأمين) يعد من أبرز المناصب التنفيذية في محافظة جدة التي تعتبر أكبر المحافظات في منطقة مكة المكرمة، إلا أن الأمين وجد نفسه مقيدا في مدينة (تتألم) من مياه الأمطار، و(تصرخ) من الصرف الصحي، و(تشكو) من امتداد الأحياء العشوائية و(تتوجع) من أمراض حمى الضنك، و(تنزعج) من الشوارع المكسرة.
وفي قراءة للفترة الماضية نجد أن المهندس عادل تورط صحافياً مع المجتمع الجداوي بعبارات مستهلكة مثل (نخطط) و(نعتزم) أمام مطالب وضغوط الجميع له بالتحرك السريع، خاصة بعد أن أعلن أنه وضع ميثاقاً يعتمد على رؤية تحويل جدة والمحافظات التابعة لها إلى مصاف المدن العالمية، وأن تكون نموذجية وجذابة وإنسانية الأبعاد، بخدمات متكاملة وتنمية عمرانية مستدامة، ونص الميثاق الذي وضعه على تحقيق رسالة تضمن تقديم خدمات بلدية متطورة ومبتكرة بمستوى عال من الجودة والكفاءة، تجعل الحياة في جدة والمحافظات والمراكز التابعة لها حياة أسهل وأجمل ضمن بيئة عمل محفزة على العطاء، مع الحرص على حماية الحقوق الخاصة والعامة، متميزة بالشفافية في أساليب أدائها. واعتبر أن القيم التي تعمل من خلالها الأمانة هي إخلاص النية لله، سبحانه وتعالى، ومراعاة تقوى الله على أداء العمل، والحرص على خدمة المراجعين باهتمام، وتحمل المسؤولية إلى درجة الاعتراف بالأخطاء والتعجيل بتصحيحها، واشتمل هذا الميثاق على وعود بالعمل بإخلاص وإتقان، وبناء على هذه الوثيقة وبعد مرور سنتين ونصف من إدارة المهندس عادل فقيه للأمانة محافظة جدة وبمبدأ الشفافية، نرى أن الوضع كما هو، بل يقترب من القاعدة القانونية المعروفة (يبقى الحال كما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء).
ما حدث على أرض الواقع، أن الإدارة لم تتغير كثيراً في أمانة جدة، مع العلم أن الفترة التي قضاها المهندس عادل فترة طويلة في مفهوم وفلسفة القطاع الخاص التي أتي منها، وهو الذي يؤمن بمبدأ (الخدمة المميزة)! وبقياس الفترة نفسها من قرار تعين المهندس عادل عام 2006 حتى الآن، نرى أن مدن محلية وعربية تتغير بسرعة مذهلة في البناء والتخطيط العمراني، وتتوسع في الخدمات العامة، في الصرف الصحي، وبناء محطات تنقية المياه، وتضع تغيراً في مفهوم المسالخ الحديثة والبناء نموذجي لحلقات الخضار والسمك، ولكن من الواضح أن (جدة غير) وهناك صعوبة الحفاظ على مستوى معين ومتميز من الخدمة، بل أصبحت القناعة أنه بعيد المنال، وليسأل كل منا نفسه، إذا خرج من منزله ووجد (برميل النفايات) قد امتلأ، والمياه عنه مقطوعة، وركب سيارته ليجد أن كل الشوارع مزدحمة دون استثناء ماذا سيفعل!! لا شيء سوى (السخط)؟ مع علمي الأكيد أن اليد الوحدة لا تستطيع تغير كل شيء دون تضافر كل الجهود المخلصة في جدة لتغير الحقيقة الواقعة والمؤلمة، إضافة إلى أن أمانة جدة لم تستفد من رصيد الخبرة المتراكمة من المشاكل السابقة، خاصة في مشكلة الصرف الصحي، الذي بات مصدر قلق بيئي، ولعل المشكلة تبدو أعقد لأنها تعاني من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، ووضعها الحالي يعني أنها تحت تهديد مزيد من الأخطار الصحية والبيئية معاً.
كذلك ينص النظام واللوائح للمخططات السكنية أن تكتمل خدماتها بما فيها الكهرباء والمياه والمجاري قبل السماح لهم بالبيع للمواطنين، وهذا الأمر يبدو غير معمول به، والواقع أن المخططات أصبحت مثل المناطق العشوائية، حيث يكتشف المواطن أن الخدمات الأساسية غير متوافرة، والاقتراح الذي يتكرر دوماً أن تلزمهم بهذه الخدمات الأساسية، أو تفرض أمانة جدة رسوما على ملاك المخططات وأصحاب الأراضي وتقوم بتنفيذ هذه الخدمات.
ختاماً ستبقى (جدة غير) قصة مفتوحة ما بين (ظالم) و(مظلوم).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي