المصارف الإسلامية .. قصة التجربة الأولى وواقع الحال
E-mail: [email protected]
كما هو معلوم فإن المصارف الإسلامية بشكلها الحديث لم تكن بذاك القدم، بل تعتبر قصيرة جدا مقارنة بالنموذج التقليدي الذي نشأ تقريبا منذ أكثر من سبعة قرون، فالتجربة الأولى كما يذكرها عدد من مؤرخي المصارف الإسلامية هي تجربة الدكتور أحمد بن عبد العزيز النجار الذي ولد في مصر، ودرس في ألمانيا، ونال بها درجة الدكتوراة في الهندسة، بدأت فكرة إنشاء أول مصرف لدى الدكتور النجار في ستينيات القرن الميلادي الماضي، ونتج عنها إنشاء ما أطلق عليه بنك الادخار المحلي، وبدأت هذه التجربة في مدينة صغيرة في مصر تسمى ميت غمر عام 1963 ميلادية، وفكرة ما يسمى ببنوك الادخار المحلي تقوم على دعم المشاريع الصغيرة، خصوصا التي تخدم المجتمع، فالهدف منها التنمية وخدمة المجتمع.
بالطبع الذي دفع الدكتور النجار لخوض هذه التجربة هو ما وجده من الفارق الكبير بين الدول النامية والدول المتقدمة في حجم النمو، والدخل القومي وحصة الفرد منه، في حين أن المجتمعات الإسلامية تعيش في سبات عميق، وسط عدد من القضايا والمشكلات التي خلفها الاستعمار بعد خروجه من تلك الدول، حيث إنه يوجد ضعف كبير في التنمية، مع نمو واضح في عدد السكان مقارنة بالدول المتقدمة. فقد ذكر النجار في كتابه "بنوك بلا فوائد"، أنه في بلد مثل الولايات المتحدة يبلغ متوسط الدخل القومي للفرد عام 1969 نحو 25 ضعفا مقارنة بمتوسط دخل الفرد في بعض البلاد الإسلامية مثل مصر، باكستان، بورما، والهند.
قامت فكرة إنشاء بنوك الادخار المحلي على البعد تماما عن الفوائد، والهدف منها إعانة الأفراد على تكوين رأس المال، لأنه كما يرى النجار في الحلقة المفرغة للفقر، هو أن انخفاض مستوى الدخل لا يسمح بتكوين مدخرات، ثم سيعوق بالتالي تكوين رأس المال لرفع الدخل ومن ثم انخفاض الإنتاجية.
كما سبق، فهذا البنك بدأ عام 1963 على أساس العلاقة المباشرة والثقة المتبادلة بين البنك والفلاحين، وأنه لا وجود في هذا النموذج علاقة بالفائدة من قريب أو بعيد كما هو سائد في أنظمة البنوك التقليدية، التي تنتشر في أنحاء العالم، ولكن يعتمد هذا البنك ـ أي بنك الادخار المحلي - على تحديد نسبة الربح بين البنك والمستفيد من التمويل، وهذه الطريقة هي النموذج الذي يعرف في الفقه الإسلامي بعقد المضاربة أو المقارضة، وذلك أن البنك يلعب دور الممول، في حين أن المستفيد يمارس دور المباشر للعمل أو الاستثمار، وبالتالي فالعائد من هذه التجارة أو العقد يقسم بحصص متفق عليها بين البنك، والمستثمر.
وبالطبع فإن مثل هذا العقد ينبني على أساس ما يسمى بتقاسم الربح والخسارة، أو بعبارة أخرى تقاسم المخاطرة بين الطرفين، وهذا بخلاف النموذج السائد سواء بالقرض بفائدة في النموذج التقليدي وما يقابله في المؤسسات الإسلامية بما يسمى بعقد المرابحة، نجد أن المسؤولية تقع كاملة على المستفيد من التمويل ولا يتحمل المصرف أي مخاطرة.
كما سبق, نجد أن مثل هذه التجربة يمكن أن نستخلص منها الهدف من هذه التجربة هو تنمية المجتمع وتوفير رأس المال للأفراد بطريقة مشروعة ورأس المال هو الطريق لتنمية المدخرات، ومن ثم أن هذه التجربة لا تعتمد إطلاقا في تحديد الربح أو العائد بالفائدة كما هو المعمول به في البنوك التقليدية، حيث إن هذه العقود التي تعتمد على عقد المضاربة في الفقه تعتمد على تقاسم الربح والخسارة بين صاحب رأس المال، والمستفيد مما يخفف بشكل كبير حجم المخاطرة على المستفيد، في حين أن الممول قد يحقق عائدا أكبر حتى مع وجود مخاطرة على رأس المال.
ولكن للأسف كما نشاهد اليوم فإن معظم المؤسسات المالية التي تتبنى تقديم البديل المتوافق مع الشريعة نجد أنها تعتمد بشكل كبير تحديد الربح بالطريقة نفسها التي تمارسها البنوك التقليدية, كما أنها في الوقت ذاته لا تقاسم المستفيد في المخاطرة، فهي تحقق ربحا ثابتا بغض النظر عما يحققه المستثمر من ربح أو خسارة، ما يزيد في عبء تحقيق أرباح، ويتسبب في رغبة ملحة للمستثمر لتحقيق الربح لتغطية التزاماته، ما قد ينعكس بشكل سلبي على مستوى الخدمة والجودة في العمل والإنتاج.
لا بد أن نشير إلى أنه قد يكون من الصعب على المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر - خصوصا أنها حديثة النشأة - الاعتماد بشكل كبير على العقود التي تنبني على المشاركة أو المضاربة، ولكن لا بد في الوقت ذاته أن تكون هناك استراتيجية واضحة لدعم مثل هذه النماذج، وأن تكون مهيأة للمستثمرين بشكل أكبر، وإلا ستبقى المصارف الإسلامية مرتبطة بشكل كبير بالنموذج التقليدي، وستبقى النماذج المقدمة التي تنبني على عقد المرابحة محل نقاش أكبر وأعقد في المستقبل، حيث إنه وإن كانت تقدم منتجات من وجهة نظر عدد من الفقهاء جائزة، إلا أن كثيرا من المختصين لا يرون أن فيها تحقيقا للأهداف التي من أجلها نشأت المصارف الإسلامية.