عدوى المضاربة في سوق الأسهم تنتقل إلى السوق العقارية
يقول لي أحد الأصدقاء إنه وبعد جهد جهيد وجد أرضا مناسبة لقدراته المالية وقرر شراءها، إلا أنه تأخر وهو يجمع المبلغ المطلوب لمدة شهر، وعندما جاء لشرائها وجد سعرها قد تضاعف دون أسباب واقعية منطقية، فقطعة الأرض التي يريد شراءها تقع في صحراء قاحلة لم تصلها الخدمات "كهرباء، ماء، سفلتة، وإنارة"، والوضع على ما هو عليه قبل الشهر الذي مضى، فما الذي ضاعف سعرها؟ يقول إنه بحث في الأسباب فوجد أن مجموعة من المكاتب العقارية قامت برفعها بالاتفاق من خلال خلق عرض وطلب مصطنع مدعوم بشائعة تقول إن "جزءا كبير من الأرض اشتراها رجل ذو نفوذ قادر على جلب الخدمات لها خلال أشهر معدودة".
ومثل هذه القصة تتكرر هنا وهناك، عرض وطلب مصطنع مدعوم بقوة احتكارية كبيرة ومعزز بشائعات ترفع أسعار الأراضي بشكل كبير، ومن ثم يتم استدراج المساكين من أصحاب المدخرات الذين يرغبون في استثمارها لشراء هذه الأرض بهذه الأسعار الكبيرة لتختنق خزائن الكبار وتفرغ جيوب المواطنين أصحاب الأحلام الوردية سوى من مفاتيح السيارات المؤجرة مع الوعد بالتملك. كما يتم استدراج من يرغبون شراء أراضٍ لبناء مساكن لهم وبسرعة بهذه الأسعار بدعوى أن التأخر سيجعل من غير الممكن شراءها، باعتبار أن الأراضي متزايدة الأسعار بشكل كبير.
الكثير من المواطنين من أصحاب المدخرات يرغبون في تحويل السيولة إلى أصول رأسمالية، باعتبار أن التضخم سيخفض القوة الشرائية لتلك السيولة، وأن وجودها على شكل أصول، خصوصا على شكل أراض أفضل بكثير، إذ إن الارتفاع في أسعار الأراضي سيعوض الخسارة المترتبة على التضخم، وهذا منطق صحيح ومقبول، ولكن ما هو غير مقبول أن تتجه معظم السيولة إلى المضاربة المحمومة على الأراضي بالشكل الذي جعلها الخيار الأفضل وبالشكل الذي يرفع أسعارها بشكل كبير دون مبرر حقيقي، وبالشكل الذي يحرم القطاعات الاقتصادية الأخرى من تلك السيولة التي من الممكن أن تسهم في زيادة قدرات القطاعات الاقتصادية الأخرى لإنتاج المزيد من السلع والخدمات لمواجهة الطلب المتزايد بما يحقق استقرار الأسعار وخفض نسب التضخم.
وزير المالية في خطابه في مؤتمر اليورموني الذي نظمته وزارة المالية قال إن التمويل بحجمه وشروطه الملائمة والمحفز للنمو لا يمكن أن يتوافر دون تطبيق سياسات مالية ونقدية مساندة، ومن هذا المنطلق تحرص الحكومة في سياستها الاقتصادية، التي تعمل على استقرار الأسعار وتوفير التمويل بتكاليف مناسبة، مبينا أن المحافظة على استقرار الأسعار يمثل تحديا للسياستين المالية والنقدية، خاصة في المرحلة الحالية التي تشهد تنفيذ الكثير من المشاريع التنموية، حيث من المتوقع أن يكون هناك بعض الضغوط التضخمية، وأوضح الوزير أن وزارته تعمل بالتنسيق مع الجهات الحكومية على برمجة الإنفاق بشكل يجعل هذه الضغوط في الحدود المعقولة التي لا تؤثر سلبا في النمو الاقتصادي.
ومن ناحيتي فإني أجزم بأن برمجة الإنفاق لن توقف الضغوط التضخمية ما لم يدعم بآليات أخرى تدفع بالسيولة التي في أيدي المواطنين إلى قنوات استثمارية متعددة ذات قيمة وقيمة مضافة، لتتحول تلك الأموال إلى رؤوس أموال على شكل شركات عملاقة في جميع القطاعات المهمة والحيوية، وما لم تدعم أيضا بتطوير الأسواق كافة، خصوصا السوق العقارية لتتحول من أسواق ناشئة إلى أسواق ناضجة مكتملة التشريعات والأنظمة والإجراءات ومكتملة اللاعبين والمؤشرات التي توضح الصورة بكل شفافية للمسؤول الحكومي وللمستثمر وللمضارب أيضا.
نعم فالسيولة الكبيرة التي في أيدي المواطنين ونتيجة للضيق الشديد في القنوات الاستثمارية اندفعت إلى المضاربة على الأراضي بعدما خرجت من المضاربة على الأسهم فشكلت بيئة نتنة بدأت تنشر رائحتها الكريهة وأمراضها البغيضة، حيث ظهر قناصو الفرص من كبار المضاربين من أصحاب التكتيكات التي يسقط في حبائلها أكبر المتمرسين فضلا عن البسطاء من الناس، كما ظهرت الشائعات والأكاذيب، وارتفعت الأسعار بشكل كبير دون مبررات، حتى أصبح من الصعب على المواطن البسيط شراء أرض في أطراف الرياض لبناء مسكن يأويه وأبناءه، وارتفعت الإيجارات لتدفع بأسعار الخدمات والسلع المرتبطة بتلك الإيجارات إلى أعلى, والقادم إذا لم يتم تدارك الموضوع سيكون أسوأ.
ختاما فإنني أشد على يد الدكتور عبد الرحمن التويجري داعيا لطرح المزيد من الاكتتابات لسحب السيولة وتوجيهها إلى شركات منتجة مع التأكيد على ضرورة طرح المزيد من الأوراق المالية وخصوصا السندات لتمويل الشركات الراغبة في التوسع في إنتاجها من الخدمات والسلع لموازنة العرض والطلب بما يخفض من الضغوط التضخمية، كما أطالب وزارة العدل ممثلة بكتابات عدل المناطق بتطوير المؤشر العقاري ليكون مؤشرا مفصلا يشتمل على مؤشر مفصل لكل حي/نشاط ليتضح لنا حجم تداول الأراضي والمنازل، ويتضح لنا حجم التضخم، ويتضح لنا في أي الأحياء تتركز المضاربات، وتتضح لنا أسباب الارتفاعات الخيالية.