كي نكون معجزة لا عجـَزة!
.. توماس أديسون بعقليته العملية يقول: "أؤمن بأن العالم تحكمه عبقرية لا نهائية، وأن كل ما يحيطنا في العالم وكل ما هو موجود يثبت أن هناك قوانين إعجازية وراء الظواهر، محكومة بدقة صارمة". الحاجة الأساسية في عالمنا هي إعادة تأصيل الإيمان بما لا نراه، وأن الدنيا تتحضر بالإيمان السماوي غير المرئي، ولو لم تأتِ الأديان بكل غيبياتها لكنا نتلمسها في العبادات البليدة السائدة قبل الأديان السماوية، ولو أن العالم لم يهتد إلى النبع الغيبي الديني، فإنه بالضرورة الحتمية سيلجأ للخرافة، ويعود للوراء.
نعم، ستجد كثيرين يسخرون من كلمة معجزة، ويعتبرونها شيئا من الخرافة المعطلة للعقل في ظل هذا العالم الذي يحكمه العلم وتسيره وسائل التكنولوجيا، ناسين أن التكنولوجيا هي أكبر دلائل المعجزة. لذا نؤمن أن المعجزات ما زالت تحدث وأنها لن تقف أبدا عن الحدوث. ربما كان السر هو.. الإيمان العميق بالعمل!
ولو راجع الإنسان ملفات الذاكرة لوجد قصة تدل على شيء من الإعجاز، ولو تمعنت بحثا في إنجازات ناجحين لعثرت على المعجزات، وتصدر سلسلة أمريكية عنوانها " صدق أو لا تصدق" ولكنها تورد بالإثبات الموثق عن معجزات تحصل في أركان الأرض.
ويأخذنا السياق لكي نقول إن الإيمان بالمعجزة هو دافع للعمل لتحقيق النجاح، فالإيمانُ أقوى من الأمل، لأن الأمل هو تمني شيء بأن يحصل، بينما الإيمان هو الاعتقاد بأنه سيحصل كنتيجة حتمية للعمل. ومن هنا نقول إننا مثل أي أمة في الدنيا لنا مشاكلنا وصعوباتنا الحياتية المختلفة اجتماعيا واقتصاديا ومعاشيا، ومن حقنا أن ننشد الإيمان بالعمل الجاد والتفاؤل العميم لتحقيق معجزة أن نكون أمة في صدر صف الأمم. أؤمن أن المعجزات تتحقق، ولكن كما قال "أديسون" وراءها قوانين حتمية.
ومن يقرأ كاتب أمريكا الأشهر الساخر "مارك توين" يعرف أن له نصا جميلا وعبقري التعبير، وفوق ذلك عميق الواقعية يقول فيه: "إن الكوميديا هي مأساة زائدا الزمن" أي أن المآسي عندما يمر عليها زمن طويل تكون كوميديا. ونحن في أمم العرب والإسلام بلا استثناء مررنا بمآسي السقوط السياسي والضعف الاجتماعي وتصاغر الدور العالمي حتى صرنا مسارح من الكوميديا السوداء! فإن قلنا إننا حالة ميئوس منها قطعنا آخر وريد للعمل، وإن تفاءلنا أن المعجزات تحصل ترفدها قوانين حتمية، عملنا بجد وعرق وتصميم وتفاؤل عريض بأن الإيمان بالنجاح ثم العمل من أجله يجعله يتحقق.
أليس العالم يشير إلى الصين وكوريا واليابان ويصفهما بالمعجزة؟ إذن كلمة معجزة ليست هي المستحيل ، بل هي الإيمان بتحقيق ما نريد أن نصل إليه، ووسيلته العمل الجماعي الجاد، الخالي من الكسل ، والحر من النفاق، والخالص من الاتكالية والمحسوبية.. لأن المعجزة نهر النجاح الذي يجمع من كل قطرة عرق.
إن القوانين الحتمية التي تصنع معجزة النجاح كي نخلع عنا أدران البطالة والعجز والتأخر ليست بسن القوانين الإلزامية التي تصدرها الأنظمة الرسمية لمواجهة مشكلة ما، ولكنها القوانين الحتمية التي نصنعها نحن جميعا بالعمل الجاد والنية الصادقة والجهد الذي لا ينقطع.. والإيمان بأن لا شيء يهد من عزمنا، فلا نخاف تأشيرة عمل، أو خبرة أجنبية ، أو نفرض حماية موهومة، لأن هذه تجعلنا مع الزمن أكثر خوفا وأشد ضعفا. الصحيح، أن نعمل لكي نتفوق بجد فيكون الاحتياج للتأشيرة عبثا، والخوف من الخبرة والمنافسة الأجنبية وهمٌا وسرابا. أن نؤمن أن الزمن الذي نودع فيه السلبية ونستقبل فيه الأمل المجبول بالعزم والتصميم قادم، ولكن لن يأتي من حاله إن لم نحرك نحن مولداته.
هناك كثير من العمل ينتظرنا، وكثير من الإبداع في عقولنا يريد الخروج، وفيض من الذكاء يعمر الرؤوس، ويبقى لنا أن نؤمن ونثق بأنفسنا بأننا نستطيع العمل لتحقيق كل ذلك، ويتحقق ذاك لما نزيد مساحة التشجيع ونمسح لوحات التحذير والموانع، وإنذارات التأنيب والعقاب.. فإن العقل والعمل لا يعملان إلا في أفق مفتوح.
إن فعلنا فهل نحقق معجزة؟ نعم، وأنا أؤمن بالمعجزات!