توقيع الاتفاقيات .. حبر على ورق
في كل يوم تقريباً تبرز وسائل الإعلام أخباراًً عن توقيع اتفاقيات مختلفة بين جهات دولية ومحلية، وتختلف طبيعة هذه الاتفاقيات، فهناك اتفاقيات لتبادل المعلومات وأخرى للإعفاء الضريبي وبعض الاتفاقيات يقوم على الشراكة التجارية وبعضها للتعاون في المجالات الاقتصادية وغيرها من الاتفاقيات المختلفة التي يبذل من أجلها الكثير من الجهود وقد تستغرق بضع سنوات لإعدادها ومراجعتها وتحديد زمن توقيعها.
والملاحظ أن نتائج كثير من هذه الاتفاقيات لا يتجاوز التغطيات الإعلامية التي تعد لها عند التوقيع عليها وحفل الغداء أو العشاء الذي يكون مرافقا لها ثم يفترق الطرفان وقد لا يلتقيان مطلقاً بعد ذلك، ومن أجل ذلك عمد البعض إلى استبدال بعض الأسماء فبدلاً من الاتفاقية أصبح لدينا مذكرة تفاهم أو محضر تعاون أو غيرها من الأسماء التي تستهدف عدم إلزام أي طرف بأي شيء.
وفي بعض الأحيان يتم فعلاً وضع اتفاقيات بين أطراف معينة يحدد من خلالها مهام كل طرف وواجباته ومسؤولياته، لكن لا يوجد هناك أي بند يلزم هذا الطرف أو ذك بتطبيق هذه المسؤوليات وتنفيذ الواجبات، بل لا يوجد أي شرط جزائي في حالة تهاون أي طرف في ذلك، وهناك اتفاقيات لا تتضمن أهدافا محددة ولا تخضع لأي نظام بل هي اتفاقيات عامة غير هادفة إلى نشاط أو مبدأ معين.
لقد أصبح لدى البعض أهداف لتوقيع عدد معين من الاتفاقيات شهرياً، وبالطبع يصاحب هذا الهدف هدف أساسي وهو التسليط الإعلامي والظهور من خلال الصحف أو الشاشات التلفزيونية، ولكن ما نتيجة هذه الاتفاقيات في النهاية هو الأساس.
لقد أصبح من النادر أن تسمع أنه قد تم تحقيق إنجاز وفقاً للاتفاقية التي تم توقيعها أو المذكرة التي تم التفاهم عليها، ونادراً كذلك ما تسمع عن اجتماع أو لقاء كان الهدف من ورائه هو مراجعة ما تم بخصوص الاتفاقية التي تم توقيعها في الماضي، فكثير من الاتفاقيات أصبحت حبراً على ورق، بل أصبح الهدف منها هو التوقيع وليس تنفيذ المضمون.
إن الاتفاقيات لم تكن يوماً ما هدفاً أو إنجازا، بل كان المضمون والنتائج المؤملة هي الهدف، ومع ذلك فقد أسهم الكثيرون في مجتمعنا بإضعاف مفهوم الاتفاقيات والتقليل من شأنها واعتبارها تحصيل حاصل أو نوعا من أنواع العلاقات العامة أو التسويق لنشاطه، في حين أن الأصل في الاتفاقيات هو التعاون والتنسيق والتواصل والترابط وتوحيد الجهود والاستفادة من الخبرات المختلفة والمساهمة في تطوير وتنمية الأعمال المتشابهة.
إن بعض الاتفاقيات أصبح وهماً ومن المؤلم أن الموقعين عليها يعلمون أنهم يوقعون على أوهام وأحلام لا حقيقة لها ولن يكون لها أثر على أرض الواقع ولن يكون هناك لقاء بينهما بعد اللقاء الإعلامي للتوقيع، ومع ذلك فهم يقبلون على أنفسهم أن يلعبوا مثل هذا الدور وأن يوهموا أنفسهم ومجتمعاتهم من خلفهم أنهم يقدمون إنجازاً ويحققون نجاحا.
إن من الواجب علينا أن نكون واقعيين وأن نحافظ على جهودنا وأوقاتنا بدلاً من أن نضيعها فيما لا فائدة فيه وأن تسعى مختلف الجهات إلى التمهل والتريث قبل توقيع أي اتفاقية لتنظر ما هي فائدتها وما هو المردود المؤمل منها، كما يجب على جميع الجهات أن تراجع الاتفاقيات السابقة وأن تدرس نتائجها وأن تكون هناك مرحلة تقييم دورية لكل الاتفاقيات التي توقع حتى لتصبح في المستقبل حبراً على ورق.