سعادة " المذكور"
يشعر الكثير من الموظفين في مجتمعنا باليأس المحبط نظراً لتقلد بعض فاقدي الأهلية المناصب الرفيعة في الإدارات الحكومية. فيعين "سعادة المذكور" أو ينتدب من جهة خارجية إلى الإدارة المنكوبة التي تنتظر السؤدد والتميز والرفاه على يديه!! وكأن أحوال الإدارة لن تصلح إلا عند الاستعانة بدماء خارجية لا تملك الخبرة التراكمية عينها التي قد يملكها المنتظرون دهراً أسفل السلم الوظيفي، خلفاً للمدير الراحل.
أو قد تخضع هذه الإدارة إلى قوانين الميراث، فتقلد "سعادة المذكور" المنصب الرفيع بالتقادم وهو لم يدرب أو يؤهل (علناً) لهذه المرحلة المتطورة من الأداء الوظيفي التي تتطلب منه تحقيق معايير عالية من الأداء للنهوض من العثرة وسد الثغرة والنجاح بتميز. فتقع الإدارة في كلتا الحالتين، بين شقي الرحى، فلا هي استقطبت "القوي الأمين"؟ الذي يوازن بين الاحتياجات وبين المأمول، ولا هي طورت مهارات العتاة الأقوياء ولا البراعم الخضراء، من هم في الصف الثاني المستحق للتأهيل والتطوير استعداداً للمستقبل!!
وأسأل هنا سؤالاً يوجعني: لماذا ضيعنا الحرص على نقل المعرفة وتهيئة العقول النامية بالتدريب والتطوير وتفويض الصلاحيات؟ لماذا يحرم سعادة "المذكور الكبير" البرعم الأخضر الصغير من حقه في التعلم والمشاركة بجدارة في بناء الوطن؟ أليسوا في النهاية أولادنا؟ أليست هذه مملكتنا الحبيبة التي تحتاج إلى جهد أصغر صغير فينا؟ المشكلة يا قوم ليست مشكلة مناهج ومعلم وتلميذ وبيئة، بقدر ما هي إحساس بمسؤولية المنصب والقدرة على جذب الكفاءات الشابة واحتضانها والتي تملك القدرة ولكن ليس لها من سبيل؟؟
إن مناخاً تنظيمياً يطرد الكفاءات ويخنقها في مهدها، لأن سعادة "المذكور" يعتبرها تهديداً لسطوته وسحباً للهيمنة التي يمارسها على التابعين، يؤدي بالبراعم الخضراء أن تمارس الرتابة والروتينية والملل قسراً في العمل. وقد ينتقم البعض من هذا النظام الجامد عكسياً في شخص المواطن والمراجع المسكين فيطول الأمد على الملف الأخضر في أدراج المكاتب وتتأخر الأعمال ويضيع الوقت هباء .. وترتع المحسوبية والواسطة في مرتع أخصر بلا سياج أحمر يردع ويخيف.
لا بد من مسارات وظيفية واضحة تعرض (بضم التاء وتسكين العين) على البرعم الأخضر منذ بدايات عمله، لا بد أن يعرف أن ارتقاء قمة السلم الوظيفي يتتطلب منه عدداً معلوماً من السنين كخبرة، أو شهادات عليا، أو دورات تأهيلية، أو مسابقات وظيفية، أو مستوى أداء يفوق الباقين أو .... بذلك جميعاً. لا بد من نشر هذه الثقافة في جميع الإدارات الحكومية بالذات، لأن المستقبل الوظيفي مغيب ومحجوب أو غير موجود في الهيكلة الوظيفية أصلاً!! فكيف تستقطب الكفاءات الشابة بعدها وكيف ينمى الإبداع؟
يجب أن ينشأ في بلادنا جو عام جديد، وثقافة وظيفية جديدة، تشجع الكفاءات وتدعمها وتمنح الفرص للمشاركة بالخبرة والأفكار المبدعة في مسيرة التنمية في بلادنا .. فما عاد الوقت يسمح بمساحات للتجربة والخطأ الإداري! ما عاد الزمن ينتظرنا حتى يصفق لإنجازاتنا؟ لا بد أن يسند العمل إلى الأصلح وفق معايير محايدة لا يستغل فيها النفوذ ولا الانتماء الفئوي لتحقيق المصالح الشخصية على حساب الجمهور. لا بد من بيئة تحفز البراعم الخضراء على النمو وترعاهم وتساندهم حتى يصيروا كباراً جديرين بقامة هذا الوطن .. كل ما نريد هو الكثير من سعادة "المذكورين"، الجديرين المؤهلين لإدارة مؤسسات بلادنا في المستقبل. فهل هو مطلب عسير؟؟