(عِتـــابٌ وَضـَــنِّ)

[email protected]

حماس الدكتور الزكير في متابعاته المطردة لعلاقة الريال الدولارية، وما يترتب عليها من سلبيات لقوى الاقتصاد الوطني وإيجابيات لمآرب أخرى، تؤهله أن يكون المرشد الأمين والناصح العليم للمهتمين بالتفاعلات النقدية وتأثيراتها على تكاليف معيشة الأفراد وما يترتب من انحرافات على الاقتصاد الوطني. ليس هنالك جدال أنَّ بوصلته كبيرة لمتابعة المعاناة المعيشية لارتفاع تكاليف المعيشة من زيادة الأسعار أو إنقاص أوزان القطـْعْ للمتداولات السلعية والبضائع أو تعديل المواصفات للمكونات وفقاً لنظم الجودة النوعية،. لتحقيق توفير سعري يقابل زيادة تكلفة التركيبة النهائية للسلعة. الثبات أمام المتغيرات يصيب المواطن بالدوار مثله مثل الذي يُضحك الأطفال في تسالي لُعب الملاهي. الفارق أنَّ الأول دواره يترتب عليه الهم والغم للكبار في كفاح الحياة مقابل عوائد ثابتة ومنصرفات متزايدة. الثاني لهو مستمر وضحك دوَّار. طرق ووسائل تحايل احتواء زيادة التكلفة كثيرة. لتقليل أضرارها لا يتأخر الصناع والتجار وأصحاب الأعمال في "تحويرها وتطويرها" بالعلم والمعرفة البحثية و"الفهلوة" الناصحة. كثير من السلع والبضائع المصنعة تحافظ على تقارب مظهرية استقرار أسعارها بالرغم من الارتفاعات السعرية في المكونات لتصنيعها، مما يترك مجالات لاستبدال المكونات أو تغيير التركيبات أو تعديل الأوزان. العولمة زادت في تعامل المتغيرات وأفاضت في قيام وجودها وفقاً لشروط لعبة (وتو) منظمة التجارة العالمية. تحريض الدول الأعضاء في المنظمة لتكاثر التعامل مع لعبة (وتو) الاقتصادية العالمية لصالح الاقتصاد الوطني وليس للثبات في عالم المتغيرات. الثبات الذي عليه "دولرة الريال" لا بد أنَّ له مبررات خافية عنا، وفوائد نجهلها تفوق أو تتماشى مع الأضرار التي يوضحها الفكر الاقتصادي الوطني المتابع للاختلال الظاهر من منظور تكاليف المعيشة من "الثبات" في عالم المتغيرات ومن دون توفير الإيضاح ولا محاولة الإقناع لحملة الفكر والنظم. طالما أنَّ الشفافية أصبحت من الكلمات المرادفة لكثير من الأقوال المفرغة من الأعمال. فإنَّ عدم تفعيلها لسيرورة التعاملات الرسمية يفقد كثيرا من القيم تأثيراتها.
اهتمامات القيادة بالتنمية الاقتصادية فائق. نجاح مخططات التنمية الاقتصادية الاجتماعية يفوق توفير الأموال واختيار المشاريع وتوزيعها على المناطق عبر الاقتصاد الوطني السعودي في منافسات لأقل سعر، و"بالتلزيم" بأي سعر! نجاح العمل التنموي يتطلب فائق الشفافية ومتابعة حانية من المسؤول يدفع بالتطلعات البشرية الوطنية للإنجاز والإعجاز. "الغمغمة" التي توارثها الاقتصاد الوطني السعودي من أجيال "ولـَّت" تتعارض مع الشفافية الإيضاحية التي لا توفر حماية حتى ولا من الجهة المسؤولة لمعالجة "مشكلة" دولرة الريال ومتابعة الجدلية السائدة "الند للند". موضوع توافق سعر صرف الريال العادل مقابل العملات الأجنبية يدور حوله جدال أكاديمي من جهة وموقف صلب من جهة أخرى تفرضه طبيعة المواقف وتوجهات متعدِّدة: أهمها وضوحاً للمواطن زيادة الأسعار محلياً على البضائع المستوردة من خارج المنطقة الدولارية وتأثيراتها السالبة غير المباشرة من "لف ودوران". الدول المصدرة من المنطقة الدولارية تتشجَّع - أسوة بالغير - لزيادة أسعارهم للسوق السعودي لما يبرره الطلب المحلي انبهاراً لاعتبارات اجتماعية مثل العلامة التجارية والمكانة والصيت. المفهوم الرأسمالي التسعيري يحدِّد الأسعار على أساس الثمن الذي يتقبل المشتري دفعه وليس مقابل المثل لتكلفته وربحيته. البضائع الأوروبية المصنعة في الصين والهند والسند تباع بأسعار قريبة لأقيامها من المصادر الأساسية الأوروبية. التسعير مفهومه متعدِّد المبرِّرات و"دخلاته" المكلفة تصاعداً يسهل تمريرها القيود البيروقراطية والنظريات الأكاديمية وثبات "المواقف" أمام المتغيرات. تشديد الرقابة على الأسعار يزيد من "الطين بله" ويكثر من "المطبات" لمفهوم المزاحمة لاقتصاد السوق. التفاعل الاقتصادي الوطني السعودي الثابت في انشداده للمعوقات التنظيمية البعيد عن متابعة تطويرها يعجـِّل من العوائق المتوارثة لنصف قرن ويضعف من رعاية المسؤول للمصلحة العامة ويتدرج في إضعاف تحسين كفاءة العجلة التنفيذية في إدارة ثروة الوطن وخدمة المواطن. فقدان ثقافة المصلحة العامة يحتاج إلى متابعة أكثر من متابعة دولرة الريال. يرى الدكتور مصطفى الفقي (أننا لا نحاول الخروج عن السياق العام، بل نستسلم للسوابق دون تفكير عميق أو رؤية بعيدة، وأستطيع هنا التأكيد أنَّ تصفية كثير من جيوب الفساد والتخلص من عيوبه متأصلة في تراثنا القومي يمكن أن تتحقق بعدد من المعايير التي لو جرى إعمالها لتخلصنا من قدر كبير مما نطلق عليه أمراض المجتمع المزمنة).
سلبيات دولرة الريال واضحة وإيجابياتها غير مفهومة. "الشقي والبقي" لواقع حياة التعاملات الرسمية غيـَّر مفهوم وروده على أيادي عليمة. توارد التعاطيات السالبة على أيادي مسؤولين محير للمواطنين لقناعتهم أنَّ المسؤولين أكفاء وحملة شهادات عالية لا محالة، وهم في طريق إنجاز مهامهم، لإصلاح الأوضاع أو توفير آذان صاغية لإزالة المعوقات ولتحسين الأداء. تكرار المتابعة لدولرة الريال ونسيان باقي أضرار الأداء التنموي الاقتصادي الاجتماعي دون صحوة متدرجة لنقاش هادف لمجريات الأمور يكدِّس الأضرار من إخفاء التعاملات الحكومية المتعلقة بمقدرات تقدم الوطن ورفعة المواطنين من التعليم للجامعات، المستشفيات، التأمينات الاجتماعية، والأحياء.. إلخ. فوضى تقاليد التعاملات الرسمية أضحت مرجعية وسندا. ويسند المتعاملين المواطنين "متسببون" لاستفادتهم كلٌ بقدر ما يمليه ضميره أو ينقصه في أعماله وعلمه وبحثه وإنتاجيته. ثبات دولرة الريال مع تناقص قيمته مع عملات الدول الصناعية ينعكس في زيادة دخل المؤسسة بالريال، وفي المقابل تصبح بمكانة ضريبة شراء على المستهلك المحلي. الضرر يقابله منفعة وينطبق عليه المثل العامي في أنَّ "زيتنا في دقيقنا". أما البيروقراطية والتطويل والتمييز والتعطيل بين المسؤول والمواطن، أضرارها بالمليارات على الوطن والمواطن، ومربط الفرس للتنمية الاقتصادية الاجتماعية. متابعة ثبات صرف الريال مع عملات الدول الصناعية مهم. الأهم ألا ننسى أضرار التخلف الإداري والتهاون لمفاهيم المصلحة العامة من رؤوسنا حتى أقدامنا.
أخلاق العمل والتعامل والأسلوب الإداري المنضبط وعلاقة المسؤول بالمواطن تتقدم في الأهمية والاهتمام على المشاريع الأسمنتية والتطاول في البنيان. تركها دون مراجعة ومتابعة ينسف ركنا من أركان البناء الاقتصادي الاجتماعي للأجيال المقبلة. استمرار توفير الأموال واعتماد المشاريع بدون توافق لثقافة المصلحة العامة، يقوي من شوكة فوضى التعطيل والتسويف، ويترك الاقتصاد الوطني السعودي بعد ربع أو نصف قرن بتأسيسات أسمنتية ثابتة وأخلاق وسلوكيات متضاربة. القوة السالبة في طريق الإنجاز تضر بطموحات المواطن وتعطل توازن التنمية الاقتصادية الاجتماعية. الرؤساء في مستوياتهم المختلفة وقطاعاتهم المتعدِّدة مطلعين وعارفين للعوائق. تركيبتهم الفكرية وأنانيتهم الفردية تجعلهم لا يرون أن تخطي العوائق من شؤونهم. البيروقراطية التي هم عليها لا تخدم المصلحة العامة. المشاريع الكبيرة بمليارات الدولارات الأمريكية إذا تعطل تنفيذها لعام في حالة إقرارها تكلفتها تتضاعف. الشركات العالمية الجادة لا تتعايش مع التطويل غير المبرر خاصة في تزايد البدائل للعمل المربح في منطقة الخليج والصين والهند وروسيا. متابعة مشاريع التنمية الاقتصادية الاجتماعية عن طريق المقدرة الإدارية والأجهزة الرسمية والتنظيمات نفسها التي وضعت منذ نصف قرن لا يتماشى مع حجم المشاريع الجبارة المقترحة لتحقيق اقتصاد وطني مزدهر. الازدهار الحقيقي لا يتأتى من إقامة المشاريع الجبارة بقدر ما هو في توفير طرق ووسائل مشاركة طبقات المواطنة من القاع للقمة في حق العمل والمشاركة والاستفادة. إذا الهداية من المولى عزَّ وجل، فإنَّ التوجيه والمعرفة والتقانة والتأهيل الوظيفي حق للمواطن من المسؤول. المواطن في القاع يشكو من عدم تحرك المسؤول للنهوض بقدراته، وفقاً للتنظيمات القائمة. فهم الأجهزة الرسمية العاملة لخدمة المواطن على "خطة يدك" منذ تأسيسها. المواطن يشكو من التباين بين الخدمات المعلنة والمتوافرة على أرض الواقع. لا يجدها في الجامعة التي تتولى إعداد الأجيال المقبلة إلى المستشفيات التي تعتني بالمريض إلى المؤسسات الاجتماعية المتولية رعاية المحتاجين والمتقاعدين. يقول الدكتور مصطفى الفقي (إنَّ الشفافية نقيض للسرية التي يحتاج إليها الأمن القومي. أحياناً واهمون لأنهم يتصورون أنَّ إخفاء المعلومات والتستر على الحقائق وغموض المواقف هي أمور مطلوبة لسلامة الوطن وغاياته الكبرى. الشفافية في رأينا هي الضمان الرئيسي للأمن القومي ومصلحة الوطن في آن واحد).
القيادة ملتزمة بتوجيه وفورات العوائد النفطية لعدالة تطوير البلاد وزيادة معرفياته وتوسيع تقنياته وخدماته وتقوية الاقتصاد الوطني وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين. الفجوة كبيرة لتوافق المسؤول والمواطن فهم المسؤولية "للخدمة" مجتمعياً. المصلحة العامة تحتاج إلى ثقافة لجميع المواطنين في مجالات عملهم ومسؤولياتهم وحقوقهم.
متابعة دولرة الريال وسلبياته الملموسة على مسيرة أعباء تكاليف المعيشة على الدخول المقننة والمكاسب المتدنية والأجور المنخفضة والرواتب الثابتة بنهج اقتصادي منطقي واضح المعالم وتفسير صريح يُكتب في سجلات التاريخ الاقتصادي للدكتور الزكير، لإيضاحه المتكرر لقيام "انحناء جدلي" في السياسة النقدية. إذا هنالك مبررات غير مُعلنة دفاعاً عن الترابط والابتعاد عن (انفكاك) دولرة الريال فإن استمرار السجال لا ينفع ولا يضر ولا يقدم ولا يؤخر خلافا لما هو معروف. الأكثر ضرراً على الوطن والمواطن استمرار النقاش بدون إصلاح مع المتوارثات البيروقراطية والنظم المعقدة وتكاسل المسؤولين وإماطة الضرر المترتب لاستمرار ثبات وجوده أمام المتغيرات. فقدان الشفافية وتلاعب الموازين يضربان سلباً مصاحبين للدولرة في مسيرة التنمية. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي