المرأة أفضل مستهلك للمنتجات المالية (1-2)
دولياً وحسب إحصائيات النظام المالي في البنوك ومؤسسات الإقراض للمشاريع الصغيرة تعتبر المرأة أفضل من ترد الدين.
كان تقديم القروض للمرأة يعتبر في ما مضى عملاً ثورياً وغير مألوف. لكن، في خلال العقود الثلاثة الماضية دلت سلسلة من التجارب على أن المرأة، وعلى الأخص المرأة الفقيرة، جديرة بالحصول على القروض، وأنها مستهلكة ممتازة للمنتجات المالية.
وتمويل المشاريع الصغيرة جداً لا يفيد النساء فقط، بل ثبت أيضاً أن المرأة مفيدة لصناعة تمويل المشاريع الصغيرة جدا. فالعلاقة متبادلة، فالمرأة المدّخرة متحمسة جداً، وتعمد إلى تسديد قروضها بمعدلات أعلى من الرجال. وفرصة نجاح إعادة القروض ترتفع لدى النساء بنسبة 30 في المائة عن الرجال.
واليوم يتجاوز حجم القروض للمشاريع الصغيرة، حسب آخر الإحصائيات على المستوى الدولي، 5.7 مليار دولار، 90 في المائة من المستفيدين نساء.
وكانت إحدى أهم النتائج بالنسبة لتمويل المشاريع الصغيرة جداً توصل صناعة التمويل إلى تحديد خصائص النساء المقترضات واستخدامهن الخدمات المالية، ومن ثم تصميم المنتجات التي تتناغم مع حاجاتهن المالية.
أعلن ست مؤسسات تمويل لمشاريع الأعمال الصغيرة في مصر، أن عدد الزبائن ارتفع بمعدل نمو بلغ 59 في المائة، ووصلت نسبة النساء بين الزبائن إلى 54 في المائة خلال سنة واحدة فقط بسبب إضافة منتج جديد لإقراض المجموعات صُمّم خصيصاً للنساء، وأصبح يُمثل في الوقت الحاضر كل النمو الحاصل في القروض، وهو مثال كلاسيكي عما يمكن أن يحدث عندما تؤخذ النساء جدياً في الحسبان كسوق تقدم فيها تلك المنتجات.
وأظهرت عدة أبحاث عالمية أن مُجرد وجود المال في يد المرأة، وتمتعها بقدرة أكبر في التحكم فيه، يمكن أن يقودا ـ في بعض الحالات ـ إلى تعزيز تمكين قدرات النساء. والحقيقة أن زيادة الاحترام للذات من بين أكثر تأثيرات تمويل المشاريع الصغيرة جداً، ويرافق هذه الثقة المتزايدة بالنفس تحسن مكانة المرأة في المنزل، فقد وجدت النساء في غينيا أن مساهمتهن المالية ساعدتهن على اكتساب احترام أكبر من جانب أزواجهن وأولادهن، وفي التفاوض مع أزواجهن بشأن المساعدة على الأعمال المنزلية، وفي تجنّب الخلافات العائلية حول المال، وفي كسب مزيد من الاحترام من أفراد العائلة الموسعة وأقرباء الزوج. وتمكنت النساء حتى من وقف العنف المنزلي. فقد وجدت ندوة المرأة العاملة WWF وهي تضم النساء الفقيرات في الهند، أن 41 في المائة من عضواتها اللواتي عرفن العنف المنزلي استطعن إيقافه بفضل التمكين الشخصي، وأن 29 في المائة نجحن في وقف العنف بفضل العمل من خلال أعمال قمن بها من خلال مجموعات الإقراض. كذلك زادت مشاركة النساء في اتخاذ القرارات. ولا تتوقف الفوائد عند تعزيز التمكين لدى المرأة كفرد. فتأمين الخدمات المالية للمرأة ينتج عنه "تأثير مُضاعف" لأن النساء، بكل بساطة، ينفقن مزيداً من دخلهن على عائلاتهن، مما يقود إلى ظروف سكن أفضل، وتغذية وعناية صحية وتعليم أفضل للأطفال، وعلى الأخص البنات.
كما أُجريت دراسات في إفريقيا وآسيا، ودلّت على أن الرجال يساهمون عادة بنسبة 50 إلى 68 في المائة من رواتبهم في النفقات الجماعية للأسرة، في حين "تميل النساء عادة إلى عدم الاحتفاظ بشيء لهن".
وينصب اهتمام النساء الفقيرات، ليس فقط على الاستثمار في فرصٍ لزيادة الدخل والنمو، وإنما أيضاً على تدبر أمر المخاطر والحدّ من هشاشة وضعهن إزاءها من خلال اتخاذ إجراءات وقائية تحميهن عند وقوع الطوارئ ومن خلال التخطيط لأحداث مثل الزواج، والولادة، وتعليم الأولاد، والكوارث العائلية. ولذلك تقدّر المرأة أهمية خدمات الادخار وتميل لأن تكون أكثر حذراً من الرجال فيما يتعلق بالاستثمار، وينتج عن ذلك أن أعمال النساء لا تنمو عادةً بالسرعة نفسها التي تشهدها أعمال الرجال، لكنها تميل إلى الاستمرار مدة أطول.
وفي بعض الحالات، بقدر ما كان يزداد دخل النساء، بقدر ما كانت تتدنى مساهمة الرجال في نفقات الأُسرة. كما يتعرض بعض النساء للضغوط لإعطاء قروضهن لأزواجهن أو لقريب ذكر آخر، الأمر الذي يزيد من أعبائهن دون أي يزيد دوماً من استفادتهن. ويتحدث بعض تقارير مؤسسات تمويل المشاريع الصغيرة جداً، عن زيادة في العنف المنزلي عندما تصبح النساء من زبائن مؤسسات تمويل هذه المشاريع. غير أن الباحِثَيْن اللذين درسا تأثير القروض في النساء في بنجلادش لأكثر من عشر سنين، وجدا أن معدل وقوع حوادث العنف ضد النساء العضوات في منظمات منح القروض أقل مما هو عليه بين السكان عامة. وعلى الرغم من الاعتبار المتزايد الذي حظيت به النساء كأفراد في المجتمعات المحلية، ومع ذلك لم يؤد هذا التحسن إلى حدوث أي تغيرات على المستوى الكلي أو العام تقود إلى زيادة في السلطات والفرص للنساء بشكل عام في السوق وداخل المجتمع.
ومع تنوع الدراسات في مختلف الدول وتعددها ظهرت نتيجة واحدة متشابهة فيها كلها، وهي أن المرأة أفضل مقترض للمشاريع الصغيرة، وهذا ما سيتم عرضه في المقال المقبل.