التربية السياحية: خطوة رائدة في الاتجاه الصحيح
قبل نحو خمسة أعوام وتحديداً في ندوة آفاق السياحة والاستثمار في المملكة العربية السعودية المنعقدة في كلية الآداب في جامعة الملك سعود في عام 1423هـ، تقدمت بورقة عمل بعنوان التربية السياحية: منظور متطور لبناء شراكة حقيقية بين قطاعي التعليم والسياحة: في المملكة العربية السعودية، حيث ركزت هذه الورقة على الدور المحوري لمؤسسات التربية والتعليم في تعزيز الثقافة السياحية والتوعية بهذه الصناعة من حيث أنها مصدر واعد يتيح آلاف الفرص الوظيفية للشباب السعودي برواتب مجزية، إضافة إلى الواجهة الحضارية التي نطل من خلالها على شعوب العالم للتعريف بعراقة وأصالة المجتمع السعودي وتراثه الثقافي الضارب في أعماق الحضارة الإنسانية، ومن ناحية أخرى ركزت الورقة على المسؤولية الوطنية الملقاة على نظام التربية والتعليم بإمداد قطاع السياحة بالكوادر الوطنية المؤهلة لسد احتياجاته المتعددة في مختلف المجالات ذات الصلة بالعملية السياحية.
وعلى الرغم من أن التوقعات المستقبلية تشير إلى أن قطاع السياحة الوطنية، سيشهد نمواً متسارعاً، حيث إن إجمالي عدد الرحلات السياحية في عام 1440هـ قدر بنحو 150 مليون رحلة معظمها من داخل المملكة، وتمثل الرحلات السياحية من خارج المملكة نحو (10 – 15 في المائة) معظمها من الدول الخليجية والعربية المجاورة، وهي نسبة متدنية بحاجة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لرفعها وتوسيع نطاقها لتشمل العديد من مواطني الدول الشقيقة والصديقة. كما أن إجمالي الإنفاق السياحي في العام نفسه سوف يتجاوز 100 مليار ريال سعودي، إلا أن نسبة العاملين من المواطنين في هذا القطاع حالياً لا تزال في حدود 20 – 25 في المائة، هذا فضلاً عن أن مستوى الثقافة السياحية لدى شريحة واسعة من المجتمع لا يزال غير مرض ولا يتواكب مع أجواء الانطلاقة السياحية التي تشهدها المملكة.
ولقد سعدت كثيراً بمبادرة الهيئة العليا للسياحة فيما يخص التربية السياحية، وإطلاقها "برنامج ابتسم" الهادف إلى تعزيز وتنمية الثقافة السياحية لدى منسوبي المدارس، و"برنامج وطني" الهادف إلى تنمية الكوادر الوطنية المؤهلة في قطاع السياحة، وفي اعتقادي أن هذين البرنامجين خطوة رائدة في الاتجاه الصحيح، شريطة أن يتم الاستمرار في هذين البرنامجين والتوسع فيهما وفق خطة مرسومة وبناء على شراكة حقيقية بين قطاعي التعليم والسياحة تتضح من خلالها أبعاد المصالح المتبادلة لكلا الجانبين وفي إطار مفهوم التربية السياحية المستدامة وتحت مظلة المصلحة العامة للوطن والمواطنين.
إن الكثير من المبادرات الوطنية المستنيرة التي تتطلب التنسيق والتكامل بين القطاعات التنموية إذا لم يتحقق فيها معيار الشراكة الحقيقية تتحول مع مرور الزمن إلى ممارسات ميكانيكية أو أعمال روتينية يغلب عليها طابع المجامل، ومن ثم قد لا تتحقق الأهداف المرجوة منها بالشكل الذي يستجيب للطموحات. ومن هذا المنطلق فإن تبني مجموعة من البرامج التي تفعل الشراكة الحقيقية بين قطاعي السياحة والتعليم بصفة مستدامة يصبح مطلباً في غاية الأهمية لضمان ديمومتها واستمراريتها وتطورها ونموها على مر السنين.
ولعل من بين البرامج التي يمكن الإشارة إليها في هذا السياق، اعتبار المنظومة التعليمية بمؤسساتها وإمكاناتها البشرية والمادية وأنشطتها وبرامجها شريك أساسي في البرامج السياحية ودعوة رجال الأعمال جنباً إلى جنب الهيئة العليا للسياحة بدعم وتمويل المشاريع المدرسية والجامعية ذات العلاقة بالسياحة، سواء في مجال البرامج التعليمية والتدريبية أو في مجال الثقافة والأدب والفنون والرياضة، وقد يكون في برنامج التوظيف الجزئي أو المؤقت خلال العطلات الرسمية للطلاب والمدرسين في الأنشطة والبرامج السياحية مغزى حقيقي لتفعيل الشراكة الحقيقية بين قطاعي التعليم والسياحة.
إن مفهوم التربية السياحية المستدامة قد يؤسس لشراكة فعلية تمثل إحدى الركائز الأساسية لمستقبل السياحة الوطنية بشقيها الداخلي والخارجي لأن العديد من ناشئة المدارس وشبابها ذكوراً وإناثاً يمثلون الطلب المستقبلي على السياحة الداخلية، بل إن هؤلاء الناشئة والشباب أيضاً يمثلون عامل جذب للسياحة الوطنية الخارجية من خلال إدراكهم الواعي لآداب السياحة وثقافتها أو من خلال الانخراط العديد منهم بشكل رسمي وانتمائهم الوظيفي لقطاع السياحة، الأمر الذي قد يسهم في استقطاب الراغبين في السياحة من خارج المملكة سواء من الدول الخليجية أو العربية والإسلامية أو من شتى أرجاء العالم.
وأخيراً، فإن برنامجي "ابتسم" الذي يرسم البسمة في الوجوه تهليلاً وترحيباً بسياح الداخل والخارج على حد سواء، وبرنامج وطني الذي يعمل على توطين القطاع السياحي يمثلان النواة الأساسية لمشروع وطني سياحي تعليمي يحتل أولوية قصوى من أجل مستقبل اقتصادي تنموي أفضل، تقع مسؤولية إنجاحه على جميع الجهات المعنية بالسياحة والتعليم في القطاعين العام والخاص، على حد السواء.