شبح الامتحانات والتجربة اليابانية
في كل عام وما أن يقترب موعد الامتحانات إلا وتعلن الأسر حالة الطوارىء وتتحول المنازل إلى ما يشبه الأشباح حيث لا حديث إلا عن الامتحان وهمومه وأفضل أساليب الاستذكار وأنسب الأوقات لها.
أتذكر عندما كنا في مراحل الدراسة الأولى أن أول سؤال نوجهه لمعلمنا في اليوم الأول من العام الدراسي هو متى موعد الامتحان؟ ومتى تبدأ الإجازة؟ بصراحة أعتقد أننا نمارس أساليب خاطئة في هذا الإطار، صدقوني إنني أشفق على طلابنا وطالباتنا عندما يقبل موسم الامتحانات نظرا للحالة النفسية الصعبة التي يعيشونها حيث تمتزج بين الخوف والترقب والأمل واليأس. الكثير من طلابنا يهجر النوم وآخرون يقاطعون العالم وفئة أخرى تضرب عن الطعام وهكذا تتحول الامتحانات إلى كابوس مزعج يقف الأهل أمامه في حالة من الفوضى والذعر الذي يحل بأبنائهم!!
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب الذي أوصلنا إلى هذه الحالة الصعبة؟
من وجهة نظري المتواضعة أعتقد أن الجواب ليس صعبا، ولكن الصعوبة تكمن في إيجاد الحلول الكفيلة بعلاج المشكلة. وقبل أن أورد الحل السحري لهذه المعضلة دعوني أحدثكم عن تجربة أحد الزملاء مع الدراسة في اليابان وكما يعلم الجميع أن اليابان تعد مع سنغافورة النموذج الأمثل بالنسبة لطرق التعليم. وما تلك النهضة الفريدة من نوعها والرقي بمختلف نواحي الحياة التي تعيشها هاتان الدولتان إلا نتاجا فعليا لتجربة تربوية وتعليمية فريدة ومتميزة.
يقول زميلنا الذي تلقى تعليمة الجامعي في اليابان قبل أكثر من 20 عاما إنه وفي يومه الأول في الجامعة كلف هو وزملاؤه في الصف بمراجعة أحد الموضوعات في مادة الرياضيات تمهيدا لإجراء عمل تطبيقي في الغد... ونظرا لأنه في بداية العام الدراسي وباعتباره الطالب الأجنبي الوحيد في القاعة يقول صاحبي إنه اعتبر نفسه أمام تحد مع ذاته ويريد أن يقول لليابانيين أستاذا وطلاب إنه الأفضل فما كان منه إلا أن ذهب إلى غرفته وتهيأ لعملية الحفظ المعتادة بالنسبة لنا وبالفعل لم ينم تلك الليلة إلا وقد أتم عملية الحفظ لتك الإجراءات التي يمكن أن توصله لحل هذه المعادلة الرياضية.
يقول الزميل الذي يحتل حاليا مركزا مهما في إحدى الشركات العملاقة إنه ذهب إلى الجامعة من الغد مزهوا وكان يسير في ممرات كليته بشيء من الكبرياء منتشيا بنباهته وذكائه الذي خيل له أنه سيتفوق من خلاله على أبناء البلد التي تستضيفه! المهم، يقول الزميل: إنني كنت أترقب حضور الأستاذ بلهفة لأظهر له كم أنا ذكي ومتميز، وبالفعل جاء الأستاذ وبدأت المحاضرة ثم طلب منا جميعا إيجاد حل لمعادلة الأمس فنظرت يمينا وشمالا وكان عدد من في القاعة يناهز سبعة طلاب أنا الأجنبي الوحيد بينهم فكررت نظرتي وإذا بهم قد أطرقوا برؤوسهم ولزموا الصمت فقلت في نفسي - والله وقام حظك يا فلان ـ فرفعت يدي مسـتأذنا من الأستاذ الذي أذن لي وقال تفضل وأعطنا حلك فأمسكت بالقلم والورقة وأمضيت ما يقارب 20 دقيقة حتى أتممت حل المعادلة وتوصلت للنتيجة المطلوبة وفرحت كثيرا لذلك ولكنني فوجئت بنظرات الاستغراب التي أحاطني بها الجميع بمن فيهم الأستاذ الذي سألني هل هذا هو الحل الذي تتحدث عنه فقلت نعم ولكنه رد علي بما معناه ـ معصي - ! !
فقلت له: إن هذا هو الحل الصحيح للمعادلة. قال: أعرف ذلك وكل زملائك يستطيعون القيام بمثل ما قمت به بل وأسرع منك! حينها يقول صاحبنا فما كان مني إلا أن فغرت فاي ولزمت الصمت أما الأستاذ فقد طلب من زملائي أن يتموا مهمتهم كما اعتادوا واصطحبني إلى مكتبه وقال لي اعتبر نفسك راسباً في هذه المادة لكي تتعلم مستقبلا قيمة العمل الجماعي مع زملائك فالكل يستطيع الحفظ ولكنه غير ذي جدوى في العملية التعليمية لأننا هنا نعلم الطلاب كيف يستنتجون الحلول اعتمادا على التفكير المنطقي المبني على الأساليب العلمية والعمل الجماعي أما طريقتك تلك فقد عفا عليها الزمن ولم تعد مناسبة للتعليم الأمثل.
ولكن ما الحل لمشكلتنا؟ أعتقد أن الأمر يستدعي الاستفادة من التجربتين اليابانية والسنغافورية وعلى وجه السرعة أما بالنسبة للعقول فأنا أراهن على أن لدينا من يفوقهم وبمراحل ولكننا نحتاج إلى الإفهام لا التلقين والعمل الجماعي لا الفردي.