هل يرتفع الريال أم يبقى على حاله؟

[email protected]

في كل مرة يجرى فيها تغيير لسعر صرف عملة خليجية تزداد التكهنات حول سعر صرف الريال السعودي. حدث هذا قبل عدة أشهر عندما رفعت الكويت سعر الدينار تجاه الدولار، ثم تكرر الوضع في الأسبوع المنصرم عندما قامت الكويت ليس فقط برفع سعر الدينار تجاه الدولار الأمريكي، بل وفك ارتباطه بالدولار وربطه بدلا من ذلك بسلة عملات. ويعتقد بعض المراقبين الماليين في دوائر أسواق المال العالمية أن الإمارات قد تقوم بالإجراء نفسه بعد ارتفاع سعر صرف الدرهم الإماراتي لأعلى مستوى له مقارنة بالسعر الرسمي في تعاملات لندن في الأسبوع الماضي، وصدور تلميحات بهذا الخصوص من محافظ البنك المركزي الإماراتي، وبعد الخطوات التي اتخذها البنك المركزي بزيادة احتياطياته من اليورو على حساب الدولار. وبالطبع ففي كل مرة تجرى فيها مثل هذه التطورات، تترقب أسواق المال العالمية احتمال قيام مؤسسة النقد السعودي بإجراء مماثل، لكن المؤسسة أصبحت تسارع أخيرا إلى إصدار بيان ينفي وجود أية نية لتغيير سعر صرف الريال، أو لفك ارتباطه بالدولار.
والواقع أنه بعد الزيادة الكبيرة في عوائد النفط في السنوات الأربع الأخيرة، وارتفاع فائض ميزان المدفوعات السعودي، واستمرار تراجع سعر صرف الدولار، أصبحت هذه التطورات تولد ضغوطا مستمرة كل فترة على سعر صرف الريال مع الدولار، بخاصة وأن نحو ثلثي واردات المملكة مسعرة إما باليورو وإما بالين. وتقدر بعض الدراسات الخليجية أن الريال أصبح الآن مقوما بأقل من قيمته الحقيقة Undervalued مع الدولار بنحو الثلث! في حين تقل قيمة الدرهم الإماراتي عن قيمته الحقيقية بنحو 12 في المائة فقط.
وكان البروفيسور "ستيفان جاريللي" من معهد التنمية الإدارية في لوزان في سويسرا، قد ذكر في محاضرة له أثناء مؤتمر "القادة الإداريون" الذي عقد في أبو ظبي قبل عدة أشهر، أن الدراسات تشير إلى استمرار ضعف الدولار تجاه بقية العملات. فبعد أن كان الدولار يعادل 0.9 تجاه اليورو في عام 2002، أصبح في عام 2006 يعادل نحو 1.27، ويتوقع البروفيسور جاريللي أن تستمر قيمة الدولار في الانخفاض، وهو الأمر الذي سيولد مشكلات حقيقية للدول التي تستورد جزءا كبيرا من بضائعها باليورو والين وتبيع صادراتها بالدولار.
بل إن ربط الريال ربطا مباشرا بالدولار الأمريكي، جعل سياستنا النقدية رهينة لتغيرات السياسة النقدية لبنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، دونما مبرر قوي لذلك. فما هو صالح للاقتصاد الأمريكي، ليس بالضرورة مناسب لاقتصادنا. وهذا ما وافقني عليه "أندريه سايغ" مدير بنك الخليج الأول.
إن الشيء الذي لا مراء فيه هو أن استمرار ضعف الدولار تجاه عملتنا، ولّد وسيولد ضغوطا تضخمية مستوردة مستمرة على اقتصادنا. وهذا ما يدعوني للاعتقاد أن إعادة تقييم الريال مقارنة بالدولار أصبح أمرا مناسبا ومرغوبا به لأسباب موضوعية متعددة. فثبات سعره أصبح يكلف الاقتصاد والناس كثيرا، نظرا لأن كل هبوط في قيمة الدولار الأمريكي الضعيف تجاه العملات القوية كاليورو والين الياباني، يجر معه ريالنا هبوطا مقابل هذه العملات. وحيث إن نحو ثلثي وارداتنا تأتى من المنطقة الأوروبية واليابانية، فإن هبوط الدولار وثبات سعر صرف ريالنا تجاهه، يعنى تقريبا أن ثلثي القوة الشرائية لدخول المواطنين السعوديين تجاه هذه السلع قد تآكلت. وقد يزيد هذا التآكل إذا ارتفع سعر العملة الصينية بعد فك ارتباطها بالدولار العام الماضي واستمر نمو وارداتنا منها.
إن ثبات سعر صرف الريال مقابل الدولار طيلة السنوات السابقة، كان يعني في حقيقة الأمر ضريبة غير مباشرة يدفعها المواطنون السعوديون لصالح الحكومة ولصالح مصدري السلع الأجنبية غير الأمريكية للسوق السعودية. فهو ضريبة غير مباشرة على الناس من قبل الحكومة لأن مؤسسة النقد تستطيع عند سعر الصرف الحالي، أن تطبع ريالات أكثر مقابل كل دولار يدخل خزانة الحكومة من إيرادات النفط. وقد كان هذا مفهوما عندما كانت إيرادات الدولة من عوائد النفط منخفضة وكانت هناك حاجة لتمويل عجز الموازنة الحكومية، أما الآن وبعد تحقق فوائض مالية كبيرة لخزانة الدولة، فقد جاء الوقت لتخفيف العبء عن المواطنين تجاه أسعار المستوردات المرتفعة بخاصة الأوروبية واليابانية منها. أما كون ثبات سعر صرف الريال بالدولار يعني ضريبة غير مباشرة لصالح المصدرين الأجانب، فذلك بسبب أن تدهور قيمة الدولار( ومن ثم الريال) مقابل العملات الأجنبية، يعنى أن المواطنين السعوديين يدفعون أثمانا للسلع الأوروبية واليابانية والصينية أكثر مما تستحق.
والواقع، أنه إذا أخذنا في الاعتبار أسعار صرف الدولار بالعملات الأوروبية والعملة اليابانية التي كانت سائدة قبل عقدين من الزمان، فإن سعر صرف الريال السعودي بالدولار الأمريكي كان يجب أن يكون الآن في حدود 2.6 ريال لكل دولار! أي أننا ندفع للأوروبيين واليابانيين اليوم 1.15 ريال إضافي مقابل كل دولار من قيمة سلعهم التي نستوردها منهم! (3.75 – 2.60 = 1.15).
علينا أن نفرق بين أمرين: الحاجة لرفع سعر صرف الريال وهو ما أميل إليه، وتعويم العملة وهو ما لا أميل إليه نظرا لعدم قدرتنا على إدارة التعويم فنيا.
لقد دأبت مؤسسة النقد على نفي وجود أية نية لتغيير سعر صرف الريال مقابل الدولار، لكني لم أقرأ بعد تعليلا صريحا مقنعا منها لهذا الموقف. وإن كنت أعتقد أن السبب الرئيس لذلك هو أن أغلب الأصول العامة السعودية مقومة بالدولار، ورفع سعر صرف الريال مقابل الدولار سوف يقلل قيمتها. ولذلك سيبقى الأمر مرهونا بتقدير السلطات النقدية حول أي الأمرين أرجح من ناحية المصلحة العامة؟ هل الأرجح هو عدم رفع سعر صرف الريال للمحافظة على قيمة الأصول العامة المقومة بالدولار، أم أن المصلحة الاقتصادية العامة باتت تميل لصالح حماية المستوى المعيشي لغالب أهل البلاد برفع سعر صرف الريال لتخفيف الآثار التضخمية التي أخذوا يعانونها؟ وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الضغوط التضخمية تستهلك كل دخول الناس وأضعفت قدرتهم على الادخار ومن ثم الاستثمار. الاقتصاد الكويتي أصغر حجما من اقتصادنا وهيكله العام مشابه لهيكل اقتصادنا، فهل ترى السلطات النقدية الكويتية ما لا نراه؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي