تقرير حقوق الإنسان.. والثقة بالنفس

[email protected]

خرج بهدوء واستقبلناه بفرح..
إنه التقرير الأول عن أحوال حقوق الإنسان في السعودية الذي أعدته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية.
واجب علينا أن نقدم الشكر لجمعية حقوق الإنسان السعودية على تقريرها الأول، وهذه البداية مبشرة ومفرحة، فالتقرير كان موضوعيا حيث أبرز الإيجابيات التي عملنا على إيجادها في إطار اهتمامنا بحقوق الإنسان، وأيضا أبرز السلبيات في تطبيق الأنظمة الصادرة والمعتمدة مما أدى إلى تجاوزات نظامية اعتبرتها الجمعية تعديا على حقوق الإنسان التي تكفلها الأنظمة في المملكة.
المهم والذي برز في هذا التقرير هو أن لدينا الأنظمة الضرورية لحماية الحقوق الأساسية للإنسان، وطبيعي ألاّ يوجد فراغ نظامي فالأصل هو الشريعة الإسلامية، وديننا العظيم يضع منظومة متكاملة حضارية وإنسانية لصيانة الحقوق الأساسية للإنسان.
إن صدور هذا التقرير بهذه الشمولية، وبما فيه من (المصارحة الموضوعية الجريئة) حول عدد من القضايا، وأيضا ما قدمه التقرير من دعوات واضحة موجهة لأجهزة إنفاذ الأنظمة بضرورة إيقاف بعض التجاوزات، أو بضرورة رفع كفاءتها وإمكاناتها حتى تقضي على التجاوزات التي رصدتها الجمعية، كل هذا يعطينا (الثقة) بأنفسنا كمجتمع وكدولة ومؤسسات حكومية، فنحن الآن نمضي في المسار الصحي الذي حلم به ثم حققه الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، عندما اتجه إلى بناء دولة ووطن لشعب واحد يثق بإمكاناته ويثق بنفسه.
وخطوات بناء الثقة بالنفس ليست سهلة .. ولكن ليست صعبة، وقيام جمعية أهلية سعودية مستقلة تراقب أوضاع حقوق الإنسان، كان خطوة حضارية لتدعيم ثقتنا بأنفسنا، وربما اعتقدنا أنها خطوة صعبة، وربما اعتقدنا أيضا أنها مستحيلة، ولكن ها نحن الآن أمام مخرجات جمعية سعودية انتقدت وقالت في تقريرها الأول أكثر بكثير مما قالته جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان الغربية، ويصدر هذا التقرير ويوزع هنا في الرياض، والأهم من هذا أننا نحتفي به، ونتخذه خطوة عملية لإصلاحاً وضاعنا وتقويمها.
فالشيء المهم الذي يكشفه هذا التقرير هو أن لدينا جميع الأنظمة التي تكفل حقوق الإنسان وكرامته، وهذا هو المهم والضروري الذي تنادي به الأمم المتحدة وتنادي به جميع المنظمات الرئيسية التي ترعى حقوق الإنسان.
وطبعا لا أحد يدعي الكمال فإشكالات التطبيق ستظل قائمة لسنوات قادمة.
وحتى نستكمل هذا الوضع الإيجابي، نحتاج إلى العمل مستقبلا لإيجاد الآليات والإمكانات الضرورية لتطبيق الأنظمة. وفي هذا الخصوص لاحظت الجمعية ضرورة استكمال وضع اللوائح التنفيذية لبعض الأنظمة الرئيسية، مثل نظام الإجراءات الجزائية، الذي يعد من الأنظمة العدلية الرئيسية، وقد وقف تقرير الهيئة عنده في أكثر من مكان، وأوصت الجمعية بضرورة التعريف بهذا النظام وتدريب الجهات المنفذة له ودعت إلى محاسبة كل من يخالف نصوص هذا النظام سواء كانت جهات حكومية أو أفراداً. وجاء في التقرير أن عدم تطبيق هذا النظام في بعض الأحيان أدى إلى إضعاف الحماية المقررة لكثير من حقوق الإنسان.
ربما يكون من مصلحتنا ومن مصلحة استتباب مقومات المجتمع العادل الذي يتطلع إلى حياة كريمة لأبنائه، هو أن تعقد الأجهزة الحكومية التي تناولها التقرير وذكر بعض السلبيات لديها (حلقات نقاش) ومصارحة حول ما جاء في التقرير، ولعل مجلس الوزراء يوجّه الأجهزة الحكومية بهذا الخصوص، فالهدف من إنشاء الجمعية هو استكمال بناء المجتمع المتسامح الطبيعي، أي الذي يعترف أن لديه مشكلات، ويستخدم ما لديه من إرادة لإصلاح هذه المشكلات، فنحن لسنا ملائكة، بل بشر نصيب ونخطئ. والأجهزة الحكومية بعد أن كبرت وترهلت وتعددت فيها مستويات اتخاذ القرار والتنفيذ مهيأة للأخطاء والتقصير، وفي بعض الأحيان ستكون ميالة إلى التستر على أخطائها، لذا إنشاء جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ـ وهو ما تحرص عليه الدولة الآن ـ ضروري لإيجاد آليات موضوعية ونظامية للضغط على الأجهزة الحكومية، وهذه الآليات في مصلحتها – أي الأجهزة الحكومية – وفي مصلحة المجتمع والدولة، وفي مصلحة استقرار مجتمعنا.
في سبيل دولة ومجتمع يتطلع إلى مئة سنة قادمة.. علينا أن نتحمل بعض الآلام ونتجرع بعض الأدوية المرة، وهذا الوضع ليس جديدا أو استثنائيا، إنه استمرار لتراكمات سابقة في الحكم والإدارة، ففي العقود الماضية كانت الدولة والمجتمع في مسار واحد لمواجهة الآلام والتحديات المحلية والخارجية، والآن لم تبق إلا تحديات شكلية، وبالتأكيد سوف نتجاوزها إلى التحدي الأكبر.. وهو استثمار الثروات التي نملكها الآن لإيجاد دولة تستكمل مقومات نموها المتوازن اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، والملك عبد الله، حفظه الله، أطلق حقبة رئيسية ضرورية لاستقرار مجتمعنا في العقود المقبلة.
بقي أن نقدم الشكر لجمعية حقوق الإنسان السعودية على تقريرها الأول، كما نشكرها على دعوتها رؤساء التحرير في الصحف السعودية إلى "إتاحة الفرصة لممارسة حق التعبير عن الرأي إلى المدى المتاح الذي تكفله الشريعة الإسلامية". ودون شك نحن، في الصحف، إزاء مهمة وطنية لإشاعة الرأي المسؤول والموضوعي، وهذه مسؤولية تتطلب الحكمة والتبصر والاستيعاب لحيوية المجتمع والدولة ومصالحنا الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي