استراتيجية للأمة للتأكد من المستقبل!
قرأت شيئا قريبا من العنوان أعلاه في إحدى المجلات الغربية المرموقة في صفحة كاملة لشركة استثمارات دولية على شكل رسالة لعملائها حول العالم، فقلت لعل الأولى توجيه مثل هذه الرسالة لأمتنا فنحن أحوج منهم.
إننا أحوج من تلك الشركة وعملائها للتأكد من وجود مستقبل لنا قبل أن نضع استراتيجية للمستقبل. هذا إذا كانت لدينا نية لوضع استراتيجية للمستقبل, حيث هناك انفصال شبه تام في المجهود الرسمي وغيره من الجهود الأخرى وكذلك الجهود ذات الأغراض والأهداف المختلفة عنا وحولنا. قرأنا أرقاما وخططا هنا وهناك بشكل رسمي من مكاتب دراسات بحثية، ومن محاضرين، ومن صناع حياة, كما يطلقون على أنفسهم, في كل أقطار البلاد العربية، مع أن إطلاق لقب صناع حياة بالذات دلالة قطعية على وجود "هدامين" للحياة بطرق مختلفة، فالضد يعرف بضده, كما يقال. ونجد بين الرقم والآخر اختلافات وانقسامات تدلل على الحال والمقال وتؤكد انعدام الحدود الدنيا من التنسيق على الأقل "الصوري" منه حتى لا يتم إحراج الآخر، مع أنه قد تكون هناك نيات لإحراجه.
وشاعت لدى المسؤولين موضة جديدة بالنسبة إليهم, وهي التحدث عن مستقبلنا بالعقود والقرون بعد أن كانت لغة الأرقام مغيبة إلى أبعد الحدود عن عالمهم, هذا إذا نطقوا! ونسى "إخوتنا" المسؤولون في الوطن العربي الكبير أو تناسوا الأفواه المفتوحة في الشارع العربي الكبير بين الفقر المدقع وغير المدقع، حيث أصبح المطلوب هو إطعام الأفواه، وما هو غيره يعد ترفا لا داعي له. وهي محاولات لا بأس بها فهي تتماشي مع المتطلب العالمي ولكنها تذكر بمن يحاول لبس آخر تقليعات الشباب كموضة وهو في عقده السابع أو الثامن.
سؤال في صيغ متعددة أو مجموعة أسئلة لا يهم، المهم هل لدينا إجابات؟ وأول الأسئلة الخفيفة: هل فعلاً لدينا كأمة خطة لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا؟ وإذا ما كانت هناك خطة واحدة، من أعدها؟ ومن اعتمدها؟ هل هو السياسي أم الاجتماعي أم الاقتصادي أم الديني, أم كلهم مجتمعين؟ وهل نستطيع فعلا جمعهم على طاولة واحدة من دون أسلحة خفيفة وثقيلة، مرئية أم غير مرئية؟ وهل نستطيع جمعهم من دون وسيط خارجي قد يكون أحرص على مستقبلنا منا لأننا في النهاية في سفينة واحدة وهم مجبورون على مساعدتنا؟ وبالتالي قد يقنع الفرقاء منا على الاتفاق على حدود دنيا للمستقبل الذي نأمل الوصول إليه. ما حجم تأثير كل طرف في هذا المستقبل؟ ما حجم تأثير الكرسي السياسي والحرص عليه وعلى توريثه؟ وما تأثير هدف إسكات الصوت الغربي فقط؟ ما حجم تأثير فرض وجهة النظر الدينية من قبل طرف على أطراف أخرى؟ ما دور النفط؟ وما دور غير إيرادات النفط؟ وما دور الأعراف والتقاليد؟ وما أثر القبيلة والعشيرة, والطائفة والحزب؟ وما تأثير الأدوار والأهداف الشخصية؟ وما دور وتأثير التنافس البيني وطريقة فهمنا له؟ وما أثر تكبير الأدوار المصطنعة الذي أوجد لنا قناة "الجزيرة" وغيرها من القنوات؟ أين المرأة من كل هذا؟ وهل هو دور مثل دور الخنساء أم دور هيفاء وهبي؟
إن المستقبل يحمل تحديات ليست خاصة بنا كأمة عربية أو إسلامية أو حتى أمة شرق أوسطية. إن من أبرز التحديات حولنا نجدها في البيئة! نعم التحدي البيئي الذي يزور الدول الغربية منا هذه الأيام يستطيع بمتابعة بسيطة أن يفهم أن التحدي بالنسبة إليهم البقاء أو الفناء، وهم على ما هم عليه من قيادة للعالم وليس لأنفسهم. وأصبح التحدي البيئي حقيقة أقرب مما يتصوره البعض. فقد بدأت الدول في وضع التشريعات التي تحاول من خلالها الحد من الأضرار وليس إلغاءها. فالنتيجة التي توصل إليها العالم الآن أن الضرر قد وقع ولا يمكن إلغاؤه. ولكننا نستطيع الحد من نتائجه السلبية المتوقعة علينا بقدر الإمكان. فإذا نحن لا نعرف إلى أين نسير كأمة وحدها فما بالك بأن نسير سويا مع أمم أخرى لحماية سفينتنا الواحدة؟
ولإعطاء جانب بسيط عن حقيقة ما يجرى اقتصاديا بسبب التهديدات المناخية على سبيل المثال لا الحصر. نجد وللأسف الشديد أن عددا من المستثمرين العرب الذين وجدوا أنفسهم مستثمرين! بمعنى أن لديهم أموالا فائضة بين ليلة وضحاها، بدأوا يزفون لنا عبر إعلامنا الناقل وليس المحلل للخبر، أخبار شرائهم وفوزهم بمناقصات مصانع معينة ومشاريع غربية محددة وبالذات في القطاع الصناعي، وكأن ذلك انتصار على الغرب المتقدم في عقر داره. وهم, أي المستثمرون, لا يعلمون أو قد يعلمون ولكن لا يهمهم ما دام ذلك يحقق النتائج التي يريدونها على المدى القصير. إن التوجهات التشريعية الغربية الأخيرة لعدد من العوامل التي منها العامل المناخي هي التي جعلت ملاكها السابقين يزهدون فيها لأنها أي التشريعات ستحد كثيرا من حركة تلك النشاطات في القريب العاجل، وأصبحت بحكم هذه التشريعات أو ستصبح مكلفة وذات عوائد غير مجزية للاستثمار على المدى البعيد. وكما تلاحظون نحن من أكل الطعم بكل جدارة لأن رؤيتنا دائما قصيرة وإن طالت بعد التحسينات فلن تتجاوز خمس سنوات.
تكون لدي إحساس, له مبرراته أن الغرب يتحرك بشكل متناغم أكثر فأكثر فيما نحن ـ وبجدارة نحسد عليها ـ نتنافس على كل ما يرجعنا إلى عصر ما قبل العصور رغم أننا لا نزال نصر على حمل اسم واحد ندعيه وندعي تميزه على غيره ولا أدري عن أي أمة نحن نتحدث! نحن في حاجة إلى خطة طوارئ وليس استراتيجية للتأكد من أننا سنبقى ولن نفنى بحصاد أرجلنا أو بأرجل غيرنا.