صراع الاسترليني مع الدولار .. ظاهرة عالمية آثارها محلية

[email protected]

قنبلة دوت عاليا في الأسواق العالمية, إنها تجاوز سعر صرف الجنيه الاسترليني دولارين لأول مرة, العنوان ليس كاملا، فالحقيقة التي خلف العنوان تفيد بانخفاض قيمة الدولار الأمريكي، لأن سعر الصرف حقيقة انخفض أمام جميع العملات, ولكن كان المقياس بالاسترليني، فالمباراة ليست بين الاسترليني والدولار وإنما شاركت فيها العملات العالمية الأخرى خاصة اليورو والين. لم يكن الحدث مفاجأة للمحللين والمراقبين، فقد بدأ الدولار في التدهور منذ ما يقارب السنة، وهو أثر ونتيجة سوء أداء الاقتصاد الأمريكي وبطء حركته خلال العامين الأخيرين.
ولكن ماذا يعني انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى؟ الإجابة ببساطة واختصار يعني ذلك أن المشتريات الأمريكية ستكون أرخص من غيرها نتيجة انخفاض عملتها، وبالتالي سيزيد ذلك من رواج الصناعة الأمريكية ومنتجاتها المعتمدة على الدولار، سواء كان هذا الرواج في أمريكا حيث تزيد تكلفة السلع المستوردة أو خارج أمريكا حيث إن تكلفة السلع المستوردة من أمريكا ستقل عن تكلفة نظيرتها المستوردة من باقي الدول غير المرتبطة بالدولار وأوروبا على وجه الخصوص.
يتكرر السؤال مرة أخرى.. ولكن بصيغة أخرى: ماذا يعني ذلك لنا في السعودية حيث تم تربيط (وليس ربط) ريالنا العربي الأصيل بالدولار؟ هل ما يحدث في صالحنا أم في مصلحة من؟ ما الذي ينبغي أن نقوم بعمله؟
من الواضح أن انخفاض الدولار الأمريكي إلى هذه المستويات في ظل ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي في حله وترحاله وإقلاعه وهبوطه يعد كارثة بجميع المقايس، فأي شيء نستورده من أي مكان في العالم سنحصل على سعره مرتفعا نتيجة انخفاظ الدولار أمام العملات الأخرى، بينما نتحصل على قيمة البترول وهو سلعتنا الرئيسية التي نصدرها بالدولار! وبالتالي فإن أي سلع مستوردة من العالم الاقتصادي الحر (غير المرتبط بالدولار) سنحصل عليها بسعر أعلى من حصول باقي العالم عليها لارتباطنا بالدولار، في الوقت نفسه الذي سنبيع فيه بترولنا بأقل مما يجب لارتباط سعر البترول بالدولار، وستزيد تكلفة مدخلات الإنتاج الصناعية لأننا نستورد معظمها من أوروبا، وستزيد تكاليف العلاج لاستيرادنا الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية من أوروبا، وستزيد قيمة السيارات والمعدات والأجهزة باستثناء المنتجة في أمريكا، وستزيد تكلفة و كلفة وتكلفة.. إلخ, هذه الزيادة في التكلفة المعيشية التي يجب علينا تحملها ليست إلا بسبب ذنب واحد جنيناه وهو ارتباط اقتصاداتنا بالدولار نتيجة ارتباط سعر الصرف لريالنا السعودي بالدولار الأمريكي.
إن حقيقة انخفاض الدولار أمام العملات الأخرى خاصة الاسترليني واليورو يعني ببساطة انخفاض قيمة الريال، وبالتالي فإن الأمر الوحيد الذي نتوقعه في هذه الحالة مزيد من التضخم, وللأسف يحدث ذلك في الوقت الذي يشتكي فيه المواطنون من الغلاء المستشري في الكثير من الاحتياجات الأساسية, فضلا عن المستلزمات الكمالية, ويتزامن ذلك مع انخفاض الدولار ليكمل الناقص.
يتساءل الكثير من المراقبين والمحللين عن الإجراءات التي اتخذتها السلطات المالية في المملكة للحد من التضخم الذي بدأ وبدأت آثاره تظهر للعيان, وإذا لم يتم تداركه قد يحدث كسادا مدمراً لاقتصاديات المملكة، فلم نسمع من المسؤولين عن أي خطط لمواجهة ذلك، وكل الذي سمعناه مجموعة من التصريحات حول تأكيد ثبات سعر صرف الريال أمام الدولار!! ونفي تخفيض قيمة الريال!!! وتأكيد محدودية التضخم في المملكة وأنه في حدود النسب المقبولة!!! وكأن المسؤولين يعيشون في أرض غير أرضنا وتحت سماء غير سمائنا، عندما يشعر المواطن البسيط بالغلاء في الأسعار وعدم قدرته على العيش بكرامته ليحصل قوت يومه الذي لا يكفيه فإن هذا مؤشر على وجود تضخم، وعندما تشتكي جموع المواطنين من الداء نفسه فإن التضخم مؤكد، وعندما تتزايد شكاوى المواطنين وتتناقلها وسائل الإعلام فإن مستوى التضخم مخيف, ولو خالفته جميع قياسات وزاراتنا ومؤسساتنا وهيئاتنا.
تنخفض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى عالمياً في ظل تخوف شديد من تخفيض سعر الريال أمام الدولار محلياً، لتتحول المشكلة إلى مصيبة، (فضربتان في الرأس توجع)، وفي حالتنا هذه تصرع، إننا نتوقع تحركا رشيداً من الجهات المسؤولة لتوضيح حجم المشكلة وما يمكن أن ينتج عنها، وما الوسائل والآليات التي ستتبعها السلطات النقدية لتخفيف آثار انخفاض سعر الدولار وضرر هذا الحدث على المواطنين والمقيمين.
من جانب آخر, نتوقع تحركا موازيا لاحتواء آثار هذا الانخفاض على قطاع الأعمال التجاري والصناعي والخدمي، لأنه في النهاية سيتأثر وبالتالي سيؤثر سلبا في مستويات المعيشة والرفاهية في المملكة، وهنا تبرز أهمية اتخاذ القرارات الحاسمة المؤثرة في جسد الوطن الواحد.
هذا الحديث يجرنا إلى العملة الخليجية الموحدة وقرار ربطها بالدولار، وحيث إن هذه العملة مازال الجدل بشأنها قائما, فالسؤال هنا: لماذا لا تربط اقتصاداتنا بسلة عملات بحيث تكون أكثر صلابة في التأثر بانخفاض عملة أو صعود أخرى؟ وحتى ذلك الحين الذي قد لا يأتي! فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا ترفع قيمة الريال أمام الدولار ويعود إلى قيمته قبل التخفيض ليصبح 3.5 ريال للدولار الواحد؟

ختاماً .. مستقبل الوطن ورفاهية المواطن أمانة في يد كل مسؤول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي