Author

تمويل الإرهاب من خلال الشركات والأنشطة الوهمية (2)

|
تناولت في مقال سابق مفهوم تمويل الإرهاب. وأوضِّح هنا كيف يتم تمويل الإرهاب من خلال الشركات والأنشطة التجارية الوهمية. ذلك أن تمويل الإرهاب ليس مقصوراَ على تلك الأموال التي يدفعها أو يتبرع بها الأشخاص الطبيعيون, بل قد يكون ممول الإرهاب شخصاَ اعتبارياَ كشركة أو مؤسسة, سواء أكانت تمارس أعمالها فـي الدولة أو خارجها, فالمؤسسات والشركات الأكثر عرضة للاستخدام فـي عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب هي الشركات التي يتم إنشاؤها في الدول التي تتبع قوانين متشددة فيما يتعلق بسرية المعلومات، الأمر الذي يجعل من الصعب الحصول على معلومات كافـية لمعرفة طبيعة وأنواع الأنشطة التي تزاولها. ومن أهم الشركات والمؤسسات الأكثر عرضة لهذه العمليات ما يعرف بالشركات المغطاة قانونياً offshore؛ فاستخدام هذه الشركات غالباً ما يوفر إمكانية لإبقاء المالك المستفـيد مجهولاَ، والذي قد يكون ضالعاً فـي عمليات غسل الأموال أو أعمال إرهابية، كما أن استخدام أسماء مهنية للعمل كمديرين لهذه الشركات يوفر مزيداً من الحماية لغاسلي الأموال وممولي الإرهاب. ويمكن لهذا الأسلوب, إضافة إلى استخدام عنوان خارجي offshore أن يكون أداة فاعلة فـي عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أن بعض النشاطات التي تتعامل بالنقد تعد من المجالات التي توفر بيئة مناسبة لعمليات غسل الأموال فـي مرحلة التغطية, مثال ذلك تجارة السيارات المستعملة، وورش الإصلاح، والمحال الصغيرة, خصوصاً تلك الموجودة فـي بعض الدول التي توفر إمكانية صرف الشيكات, ومحال المواد الكهربائية، ومحال المنتجات الجلدية، ومحال مواد البناء, ولوازم الحدائق, ومكاتب البناء والديكور. ولهذا فإن مراقبة هذه الأنشطة تتطلب البحث فـي مدى الزيادة فـي الإيداعات النقدية التي لا تتوافق مع الزيادة فـي حجم أعمال الشركة أو المؤسسة، وكذلك في حالة المحافظة على معدل التدفق النقدي بينما تكون الأعمال التي تقوم بها الشركة أو المؤسسة فـي تناقص، كما تبحث فـي الأنماط غير العادية من المدفوعات التي تبدو غير ذات صلة بالأنشطة التجارية المعنية التي تمارسها. وهناك بعض وكالات السياحة والسفر التي تعمل في بعض الدول أحياناً كمكاتب للصرافة أو تقدم خدمة الشيكات السياحية أو تمارس المدفوعات الدولية، تُصبح وسيلة جذابة لغاسلي الأموال لتنفـيذ مرحلتي الإيداع والتغطية بالتجزئة من مراحل عملية غسل الأموال. ولذا فإن على الجهات المصرفـية والأمنية مهمة مراقبة المدفوعات (التحويلات) غير العادية التي تتم من خلال هذه الوكالات بصورة مخالفة للأنماط المعتادة، كعمليات الشراء الكبيرة للشيكات السياحية, وصرفها فـي عدد من الدول، والتقلبات الملموسة فـي أنماط العمليات بشكل مغاير تماماً لأنماط العمليات المألوفة. وتعد الشركات والمؤسسات المالية (غير البنكية) التي تقبل إيداع الأموال لديها وتقبل دفعها لعملائها, مثل مكاتب ومحال الصرافة, عرضة لاستخدامها في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب, ولذا فإن مراقبة أعمالها تتطلب من الجهات المصرفـية والمالية البحث عن مدى معقولية معدل إجمالي الحركات والتقلبات أو الفجائية فـي حجم الحركات، والتغير فـي أنماط الإيداعات/ المدفوعات بسبب عدد قليل من الصفقات ذات الحجم الكبير، مثل عمليات شراء كبيرة من الشيكات السياحية أو أوامر الدفع تؤدي إلى القيام بعمليات صرف من عدد من الدول أو العكس تماماً. وقد يستخدم غاسلو الأموال وممولو الإرهاب نشاط الاستيراد والتصدير فـي مرحلتي الإيداع والتغطية للأموال عن طريق المدفوعات الدولية؛ خاصة عندما يكون هذا النشاط صغير الحجم, ويتم التعامل بمنتجات متنوعة، و/ أو عندما يتم التوريد والتوزيع بصورة كبيرة على أساس نقدي وفـي بضائع متدنية السعر. وأحيانا يستخدمون وسيلة أخرى تتمثل فـي شراء المعادن النفـيسة ومحال الأحجار الكريمة والمجوهرات والتحف والأعمال الفنية, حيث يمكن تسهيل مرحلتي الإيداع النقدي والتغطية بالتجزئة من خلال النشاطات التجارية التي تتضمن تعاملات مرتفعة القيمة, ويصعب فـيها تقدير أو تقييم قيمة البضائع المباعة، مما يسمح باستخدام قيم ضخمة ومبالغ فـيها لتأييد طلبات الدفع. لذا فإنه يقع على الجهات المصرفـية والأمنية مهمة مراقبة أنماط التعامل التجاري التي تتم مع الدول غير المتعاونة حسب القائمة الصادرة عن المجموعة الدولية للعمل المالي, ولا يرتبط اسمها عادة بالبضاعة موضوع البحث، والتقلبات غير العادية فـي إجمالي الحركات أو أنواع الأدوات المالية المستخدمة. ومن الأنشطة التجارية التي يتم استخدامها في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ما يعرف بالخدمات المالية الخارجية Offshore Financial Services؛ حيث إن العديد من عمليات غسل الأموال التي تم اكتشافها تضمنت عمليات تحويل أموال من خلال شركات للخدمات المالية الخارجية، وهي شركات ذات أنظمة ميسرة للأعمال المالية، بغرض تغطية العمليات المشبوهة وتمويهها، وبالنظر إلى عدم وجود نشاط تجاري يمكن من خلاله ربط هذه العمليات بأساس تجاري، فإن من الصعب اكتشاف أنماط العمليات "غير العادية" أو "المريبة", حيث تتم هذه الخدمات من خلال شركات الائتمان، وتجارة البضائع، ودور الاستشارات المالية. وللكشف عن نشاطها تقوم الأجهزة المالية والأمنية بمراقبة النشاطات الصغيرة التي لها عميل واحد أو عميلين، والشركات ذات الملكية المعقدة، وعدم الاهتمام بالتكاليف عند تنفـيذ العملية، والارتباط بالدول غير المتعاونة كما فـي القائمة الصادرة عن فريق العمل المالي الدولي، والاستثمار فـي الأوراق المالية مجهولة المالك مثل السندات المصدرة لحاملها, وخاصة عندما يكون الاستثمار فيها غير مجد اقتصادياً. كما أن المؤسسات والجمعيات الخيرية أو غير الربحية تعد من المجالات التي يمكن استخدامها في عمليات تمويل الإرهاب, ولذا فإنه يلزم عند فتح حساب لمؤسسة غير خيرية أو ربحية مسجلة الحصول على ترخيص ساري المفعول من الجهات الحكومية المختصة؛ أما عند فتح حساب لمؤسسة خيرية أو غير ربحية غير مسجلة، فـيجب الحصول على موافقة مسبقة من البنك المركزي فـي الدولة.
إنشرها