قراءة في لائحة حوكمة الشركات

[email protected]

تزايد الاهتمام بقواعد الحوكمة في السنوات القليلة الماضية في العديد من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة على حدٍ سواء بسبب الأزمات المالية الكبيرة التي عصفت بكبريات الشركات العالمية جراء الفساد الإداري والمالي والافتقار للشفافية وعدم الإفصاح الصحيح عن واقعها، وعلى أثر ذلك تراجعت ثقة المستثمرين بالشركات التجارية وكان من الأسباب الرئيسية الأخرى في زيادة مبعث انعدام الثقة عندهم هو عدم قدرة الأنظمة القائمة على حماية حقوقهم ومصالحهم حول ما يدور داخل دوائر أصحاب القرار في الشركات التجارية من تجاوزات إدارية وقانونية دون تمكينهم من الاطلاع على هذه التجاوزات، ومن هنا جاء اهتمام الدول ومؤسساتها إلى إيجاد قواعد قانونية جديدة تنظم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين على إدارات الشركات وتساهم في خلق كيانات اقتصادية متينة قادرة على إعادة الثقة للناس وتمتلك القدرة على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وفي سبيل تحقيق ذلك أصدر مجلس هيئة السوق المالية في المملكة بتاريخ 12/11/2006م لائحة حوكمة الشركات، وقد تضمنت مجموعة من المبادئ القانونية التي تناولت تطبيقات الحوكمة الشركاتية في شأن الحفاظ على حقوق حملة الأسهم وتحقيق المعاملة العادلة بينهم، والحرص على الإفصاح والشفافية، وتأكيد مسؤولية مجلس الإدارة، والإقرار بحقوق ودور أصحاب المصالح، ولعل ما يميز قواعد الحوكمة التي وردت في اللائحة تركيزها على التنظيم وبيان السلوك الجيد في إدارة الشركات وفقاً للمعايير الأساسية العالمية، وكذلك تداخلها في عدد من الأنظمة التي من أهمها نظاما الشركات والسوق المالية.

وبالرغم من أن هذه اللائحة تناولت أهم قواعد ومعايير الحوكمة، إلا أنها أغفلت النص على العديد من الأمور المهمة ويوجد عليها بعض الملاحظات من أهمها ما يلي:
1- جاء في المادة (1/ب) من اللائحة أنها لائحة استرشادية، بمعنى أن قواعدها اختيارية التطبيق ولا جزاء على عدم التقيد بها، وهذا أمر سلبي إلى حدٍ ما كونه يفتح المجال أمام العديد من الشركات التجارية للتهرب من الخضوع لأحكامها.
2- جاءت المادة الثانية من اللائحة خالية تماماً من تحديد المقصود بمصطلح حوكمة الشركات على الرغم من أنه يُعد من أهم المصطلحات التي تحتاج إلى توضيح في هذه المادة، نظراً لحداثته من جهة ولحاجة كل شخص إلى معرفة مضمونه والمقصود منه من جهة أخرى.
3- أغفلت اللائحة النص على توظيف التقنيات الحديثة (الإنترنت والفيديو كنفرنس) في عقد اجتماعات الجمعيات العمومية ومجالس إدارات الشركات، وبالتالي حرمت المساهمين من التصويت على قرارات الجمعية العمومية من مواقعهم عبر الإنترنت أو عبر أية وسيلة اتصال حديثة أخرى، ولا يخفى ما لهذا الإغفال من آثار سلبية وأضرار كبيرة على صغار المساهمين، إذ ليس من المعقول أن يُطلب من مساهم يملك عدداً محدوداً من الأسهم السفر من جدة إلى الرياض بغرض التصويت على قرارات الجمعية العامة إذا كانت وسائل الاتصال الحديثة توفر له خدمة التصويت على هذه القرارات حيثما كان موجوداً وبطريقة آمنة ودون أن يتحمل نفقات السفر والإقامة والمصروفات الأخرى. هذا فضلاً عن أن عدم توظيف التقنيات الحديثة في عقد اجتماعات الجمعيات العمومية ومجالس إدارات الشركات يتعارض مع مبررات السرعة والائتمان التي يقوم عليهما القانون التجاري.
4- بالرغم من تعرض اللائحة لإجراءات عقد الجمعية العمومية، إلا أنها أغفلت النص عن أمرين: أولهما أنها لم تتطرق إلى النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجمعية العامة، وثانيهما أنها لم توضح الأمور التي يجوز للجمعية العمومية أن تناقشها في اجتماعها العادي وغير العادي، فهل هذا يعني الاكتفاء بما جاء في النصوص الواردة في نظام الشركات؟ وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من الإشارة إليه في متن هذه اللائحة.
5- على الرغم من تعرض اللائحة بشكل مقبول لموضوع الإفصاح والشفافية الذي يُعد الأهم في مجال الحديث عن حوكمة الشركات، إلا أنها أغفلت النص عن تحديد الجزاءات المترتبة على مخالفة قواعد الإفصاح والشفافية المنصوص عليها في اللائحة.
6- جاء نص المادة (12/ح) من اللائحة عاماً مطلقاً ومقتضباً في الوقت نفسه، إذ لم يشر إلى عضوية الشخص في مجالس إدارات الشركات بصفته ممثلاً لشخص اعتباري.
7- أغفلت اللائحة النص على ضرورة قيام جهات مالية مستقلة ومعتمدة من الجهات المختصة في الدولة بإعداد تقرير سنوي مفصل يوضح أداء الشركة طوال العام حتى يقف المستثمر على مسارها بشكل صحيح ودقيق ويقارن بين التوقعات والنتائج.

ولذلك هنالك اقتراحات عديدة يمكن إدخالها على اللائحة يتمثل أهمها فيما يلي:

1- اعتبار قواعدها إلزامية للشركات وليست استرشادية كما جاء في المادة (1/ب) منها. ويفضل في هذا الصدد وضع فترة زمنية قصيرة جداً للشركات لغايات توفيق أوضاعها بما يتفق وأحكام هذه اللائحة وأن يكون ذلك من ضمن الاستراتيجيات المعمول بها في الشركات.
2- تحديد المقصود بمصطلح حوكمة الشركات على النحو التالي:
يُقصد بحوكمة الشركات: مجموعة القواعد النظامية التي تحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح مديري الشركة والمساهمين فيها وأصحاب المصالح الأخرى.
3- استخدام التقنيات الحديثة في عقد اجتماعات الجمعيات العمومية وفي التصويت إلكترونيا على قراراتها بما يخدم ويحافظ على مصالح الأطراف ذات الصلة بالشركة.
4- ضرورة النص في اللائحة على تحديد الجزاءات والعقوبات على مخالفة الشركات قواعد الإفصاح والشفافية المنصوص عليها في اللائحة، إذ لا يكفي بيان الأمور الملزمة للشركة بالإفصاح عنها في اللائحة، بل لا بد أن يُلازم الإفصاح العام العقوبات التي من أهمها فرض غرامات على الشركات المخالفة ووقفها عن التداول في السوق المالي.
5- تعديل المادة (12/ح) من اللائحة على النحو التالي:
"يجوز للشخص أن يكون عضوا في مجالس إدارة ثلاث شركات مساهمة على الأكثر في وقت واحد بصفته الشخصية، كما يجوز له أن يكون ممثلاً لشخص اعتباري في مجالس إدارة ثلاث شركات مساهمة على الأكثر، وفي جميع الأحوال لا يجوز للشخص أن يكون عضواً في أكثر من مجالس إدارة خمس شركات مساهمة بصفته الشخصية في بعضها وبصفته ممثلاً لشخص اعتباري في بعضها الآخر وتعتبر أية عضوية حصل عليها في مجلس إدارة شركة مساهمة خلافاً لأحكام هذه الفقرة باطلة حكماً".
6- وللوصول إلى حماية فعّالة للمساهمين وأصحاب المصالح الآخرين في الشركات التجارية، فإنه يفضل النص في اللائحة على ضرورة أن يصدر عن جهات مالية مستقلة ومعتمدة من الدولة تقييما لها يحدد أداء الشركة بشكلٍ صحيح.
7- ضرورة النص على فصل مهمة مجلس الإدارة عن الإدارة التنفيذية للشركة، بحيث يكون هناك خط أكثر وضوحاً بين دور مجلس الإدارة الذي يرسم سياسة الشركة ويضع أنظمتها ويراقب تطبيقها ودور الإدارة التنفيذية التي يجب عليها تنفيذ هذه السياسة.
8- يُفضل من أجل القضاء على تضارب المصالح وتعزيز الحياد أن يكون أعضاء لجنة المراجعة المنصوص عليها في المادة (14) من اللائحة من غير أعضاء مجلس الإدارة، ولا نعني بذلك التنفيذيين فحسب، وإنما غير التنفيذيين والمستقلين أيضاً، لأننا بذلك نؤكد لأعضاء لجنة المراجعة أنه لا سلطان عليهم إلا سلطان القانون وأنهم المسؤولون أولاً وأخيراً أمامه عن أي تقصير في المهام والمسؤوليات الموكلة إليهم بموجب أحكام اللائحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي