مركز الملك عبد الله المالي
يُعد مركز الملك عبد الله المالي أحد أكبر المشاريع التي تفضل خادم الحرمين الشريفين الملــك عبد الله بن عبد العزيز بتدشينها في الرياض يوم الثلاثاء الموافق 29/3/1428هـ (17/4/2007م) بتكلفة تنفيذ إجمالية تقدر بحوالي (120) مليار ريال موزعة على (1800) مشروع في قطاعات تنموية متنوعة كالتعليم، الصحة، النقل، الصناعة، البنية التحتية وغيرها. ويتميز المركز المالي بأن شرائح عريضة من سكان المملكة ستستفيد من خدماته، إذ سيحتضن المركز المقر الرئيس لهيئة السوق المالية، شركة السوق المالية "تداول"، أكاديمية مالية، ومكاتب للعديد من الشركات والمؤسسات المالية.
إن الحاجة إلى وجود مجمع مالي كمركز الملك عبد الله في الرياض أصبحت مُلحة لمواكبة النمو المتسارع في حجم السوق المالية والإقبال المتزايد من المواطنين على المشاركة فيها من خلال الاكتتابات الأولية والمتاجرة في السوق الثانوية للأسهم عبر شركات ومؤسسات الوساطة المالية. كما أن تصميم وبناء مركز متخصص لاحتضان ذلك الكم من المؤسسات المالية الحكومية والأهلية في مكان واحد سيحقق منافع كثيرة للاقتصاد الوطني بتوفير بيئة عمل قادرة على تقديم حزمة متكاملة من الخدمات المالية الراقية تليق بإمكانات المملكة ومكانتها.
هناك مزايا أخرى سيحققها أيضاً مركز الملك عبد الله المالي، من بينها أن توزيع التكلفة العالية للاستخدامات التقنية المتطورة، التي سيوفرها المركز، على عدد كبير من المستفيدين سيمنح السوق المالية في المملكة ميزة تنافسية مقابل غيرها من الأسواق، ما يؤدي في النهاية إلى زيادة الإنتاجية وتحسين كفاية الأداء، وهي من عوامل الجذب الرئيسة التي يبحث عنها المستثمرون. بالطبع هناك قائمة طويلة من الإيجابيات للمركز التي تعد سمة ملازمة لاقتصاديات المشاريع ذات الحجم الكبير "economies of scale" تمتد عبر جميع المراحل من بناء وإدارة وتشغيل حصيلتها في النهاية تقديم خدمة جيدة بتكلفة أقل لكل وحدة مُنتجة.
لكن في خضم تلك النظرة والتطلعات المستقبلية الواعدة لمركز الملك عبد الله المالي يجب ألا ننسى أهمية تسجيل وحفظ تاريخ السوق المالية ومؤسساتها في المملكة. وكنت قد تناولت هذا الموضوع بشيء من التفصيل في مقال نشرته "الاقتصادية" بتاريخ 23/11/1425هـ، عرضت فيه جانباً من تجربة السوق المالية في مدينة نيويورك في الحفاظ على بداياتها وخطواتها الأولى بشكل علمي منظم. إذ جُهزت لتلك المحفوظات صالات عرض مزودة بوسائل إيضاح مسموعة ومرئية تحكي قصة كل قطعة ووثيقة. كانت هناك سجلات، مستندات، أدوات، قطع أثاث، وأجهزة وتقنيات اُستخدمت في تداولات البورصة على مر السنين. من تلك المحفوظات أول ما صدر في الولايات المتحدة الأمريكية من صكوك أسهم وسندات، وعقود تأسيس بعض الشركات التي أصبحت اليوم تحتل المراكز الأولى في حجم مبيعاتها وانتشارها على مستوى العالم، بينما الكثير يجهل مكان وقصة بداياتها المتواضعة. ولعلي أتوجه هنا إلى سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، لما عرف عنه من حرص شديد على توثيق تاريخ المملكة، للتفضل بالتوكيد على تخصيص صالات أو متحف ضمن مشروع مركز الملك عبد الله المالي لحفظ وعرض وثائق وسجلات البدايات الأولى للسوق المالية السعودية، إذ إن في حفظها حفظا لجزء من ذاكرة الوطن.
هناك عامل آخر يجب أيضاً أن نُذكّر أنفسنا به عند الحديث عن الخدمات التي سيقدمها مركز الملك عبد الله المالي ألا وهو البعد الاستراتيجي لتلك الخدمات، ومدى تأثيرها على عجلة الاقتصاد الوطني وأهمية استمراريتها وتوافرها على مدار الساعة تحت كل الظروف والاحتمالات، ذلك أن تركيز المؤسسات المالية المهمة في موقع واحد وما سيحققه من منافع لا بد أن يطرح أمامنا الجانب الآخر للمعادلة وضرورة التفكير من الآن في طاقات مساندة قد تتبلور في بناء مركزين آخرين في مواقع جغرافية متباعدة في المملكة، بحيث يعمل أي من المراكز الثلاث رديفاً للآخر عند الحاجة، فضلاً عن امتصاص جزء من النمو المتزايد في الطلب على خدمات السوق المالية.
إن بناء طاقات احتياطية رديفة سواء كانت للخدمات المالية أو غيرها قضية مكلفة إلا أن التجربة أثبتت سلامة ذلك النهج في تخطيط وتصميم الخدمات الحيوية وأحسب أن تلك الأبعاد لم تغب عن فطنة وزارة المالية وهيئة السوق المالية.