شارع "الجزيرة" .. والجنادرية والتغطية الإعلامية

[email protected]

بعد عقود من الاقتتال والذي أهدر دماء وأموالا عربية وإسلامية نجحت المملكة بقيادة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في رعاية اتفاق "الجنادرية" التاريخي بين السودان وتشاد، والذي ينهي عقوداً من التوتر بين البلدين، ويعمل على حقن الدماء العربية والمسلمة في هذين البلدين.
ويأتي ذلك في إطار الخط الذي يتبناه خادم الحرمين الشريفين لصون الدماء العربية والإسلامية وحمايتها في كل مكان، ساعده في ذلك شخصيته الكاريزمية ومصداقيته وصراحته ووضوحه وشجاعته، ما جعله يكتسب احترام الجميع محلياً وعربيا ودولياً، ومكنه من تدشين مكانة جديدة قيادية ومتميزة في التاريخ المعاصر له شخصيا وللمملكة، بعد النجاحات التي حققتها الدبلوماسية السعودية في عدد من القضايا العربية المزمنة مثل اتفاق "مكة المكرمة" بين فتح وحماس الذي أنهى حالة الاقتتال الداخلي وساعد على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وحل أزمة لوكيربي الليبية، واستمرار الجهود السعودية الحثيثة لرأب الصدع في لبنان بعد نجاحها السابق فى اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية هناك والتي استمرت 15 عامًا، وكذلك في العراق حيث قامت المملكة برعاية مؤتمر المصالحة العراقية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حيث وقَّع علماء دين يمثلون السنة والشيعة وثيقة «مكة المكرمة» التي تحرم الاقتتال بين العراقيين، وما زالت جهودها مستمرة لإخراج هذا البلد من كبوته التي يمر بها الآن والتي تهدد بتمزيقه إلى أشلاء متطاحنة، ناهيك عن المبادرة العربية للسلام التي تجري المملكة جهودا لتفعيلها على أرض الواقع من خلال ترؤسها القمة العربية الحالية، ولم تكن كل هذه الجهود الجبارة للم الشمل العربي لتنجح لولا القبول العربي والإسلامي الذي يحظى به الملك عبد الله فضلا عن مكانة المملكة وثقلها العالمي.
ويكتسب اتفاق المصالحة « اتفاق الجنادرية» بين السودان وتشاد أهميته من أنه جاء بعد فترة من الصراع بين الدولتين، والذي تطور إلى مناوشات عسكرية أوقعت عددا من القتلى في جيوش البلدين في نيسان (أبريل) الماضي، وهو ما كاد يتطور إلى حرب طاحنة تعصف بالأمن الإقليمي، بالإضافة إلى أنه يعد خطوة كبيرة لإنهاء الأزمة في دارفور، وعودة السودان كفاعل أصيل في الساحة العربية التي تحتاج قضاياها إلى جهود كل دولها.
وفي إطار تناول هذه المصالحة التاريخية لابد من وقفة مع التغطية الإعلامية لهذا الحدث المهم، والذي قامت إحدى القنوات العربية بتغطيته عبر تقديم بث مباشر لوقائع جلسة المصالحة من مزرعة خادم الحرمين الشريفين في الجنادرية، بينما ظلت القنوات السعودية في سبات عميق حيث قامت بتغطيته بعد أكثر من نصف ساعة وهو زمن طويل جدا في ظل المنافسة الحامية التي تتسم بها الساحة الإعلامية، وفي عتاب لي لأحد المسؤولين في إحدى القنوات السعودية عن هذا التأخير أفادني بأنه تم منعهم في البداية من التغطية المباشرة وتم السماح لهم فقط بعد قيام القناة العربية بنقل الحدث، وهو ما يطرح سؤالا حول الجهة التي قامت بهذا المنع والتي يجب أن تفهم ضرورة منح القنوات السعودية الأولوية عن غيرها في تغطية مثل هذه الأحداث مستقبلا، وضرورة إيجاد آلية للتعامل مع هذه الأحداث بدلا من "مرمطة" الزملاء الإعلاميين ومعاملتهم بشكل يدعو للعجب من أشخاص لا يدركون قيمة العمل الذي يؤديه هؤلاء الإعلاميون.
أما الموقف الأعجب فهو يتعلق بتغطية قناة الجزيرة التي تدعي الحياد والمهنية وهما منها براء.. فقد تعاملت مع هذا الخبر بعيدا عن أي تقدير للقيم الإخبارية، حيث تذيل نشرتها الإخبارية وتناولته بشكل مقتضب، على عكس الخبر الذي سبقه، والذي تناول بتوسع نتائج التحقيق التي أجرتها "لجنة فينوجراد" المكلفة بالتحقيق الرسمي في إخفاق إدارة الحرب مع لبنان العام الماضي، حيث بثته القناة في مساحة زمنية واسعة بل إن تصريحات السفاح بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حظيت بأهمية كبيرة وتم إذاعة مقاطع مطولة منها.
والأدهى أن "الجزيرة" التقت عددا كبيرا من اليهود في شوارع تل أبيب وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة لتسألهم عن رأيهم في أولمرت وفي كفاءته، بمعنى هل هو كفء لإبادة العرب أم لا.
فالجزيرة اهتمت "بنقل نبض الشارع الإسرائيلي" متجاهلة جهودا عربية مخلصة لوقف إراقة الدماء المسلمة في شوارع البلاد العربية والإسلامية، وهو ما يعكس حقيقة الموقف الذي تتبناه الجزيرة ومن يقف وراءها.
وعجبا لك أيتها الجزيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي