استثمروا في العقار!

[email protected]

من الثابت أن المؤشرات الكلية لاقتصادنا منذ نحو أربع سنوات غدت إيجابية ومبشرة، لكنها وحدها لا تكفي. فالناس لم تعد تكترث كثيرا لارتفاع معدل نمو الدخل الوطني أو زيادة الناتج المحلي الإجمالي، أو انخفاض نسبة الدين الحكومي العام، إذا لم يشعروا بتحسن حقيقي ملموس في مستوى معاشهم، خاصة بعد أن فقدوا مدخراتهم في نكبة سوق الأسهم. ومن الثابت في دراسات الاقتصاد الكلي، أن تساوي مجتمعين في الدخل القومي لا يعني بالضرورة تساويهما في مستوى الرفاهية. فالأمر يعتمد على الطريقة التي يستثمر ويستغل فيها هذا الدخل، وعلى مدى عدالة توزيعه بين طبقات السكان. فالمجتمع الذي يحظى بتوزيع أكثر عدالة في دخله الوطني، يتمتع سكانه بمستوى رفاهية أفضل ويتحقق له رواجا أزهى.
وكذا الأمر بالنسبة لتكوين الشركات الكبرى، فإذا اقتصرت ملكيتها على فئة في المجتمع، قل رواج الاقتصاد، وغدا الخير والمال دُولة بين الأغنياء منهم. لهذا وجدنا أن التوجهات الأخيرة لسياسة التطوير الحكيمة التي يتبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أيده الله، تصب في اتجاه العمل على توزيع خيرات النمو على أكبر عدد ممكن من السكان، من خلال تبني سياسات اقتصادية وإصلاحات إدارية وقانونية تسمح بتجديد حيوية وحركة النشاط الاقتصادي وتشجيع أصحاب رؤوس الأموال على تبني المشاريع التي تعمل على توسيع قاعدة الاقتصاد الإنتاجية وتوليد مزيدا من فرص العمل للأعداد الناهضة من فتية البلاد وفتياتها من الباحثين عن مصادر رزق بحيث تحقق لهم الاستقرار وتحولهم إلى قوى منتجة وتبعدهم عن الفراغ القاتل والإحباط المدمر الذي يجعلهم عرضة للأفكار المتطرفة.
ولذلك أنا متفائل، على الرغم من الفاجعة والإحباط الكبير الذي يشعر به الناس بعد نكبة سوق الأسهم. فالمبشرات والخيرات في بلادنا كثيرة، والفرص عديدة وواعدة، ونحن نحتاج فقط إلى عقول نيرة وسواعد خيرة تعمل على تنفيذ رغبة ولي أمرنا، وتضع البلاد ومواردها على الطريق الصحيح الذي يضمن الخير للجميع، ويزيد من صلابة اقتصادنا ويقلل اعتمادها على عوائد النفط المتقلبة.
إن أكثر ما يسعد الكاتب المشغول بالهم والشأن العام، أن يرى بوادر وثمرات ما كان يدعو إليه قد أخذ طريقه إلى حياة الناس والمجتمع. فمنذ نحو خمس سنوات، كنت قد تشرفت بالكتابة للمقام السامي أشرت فيها، ضمن أمور أخرى، إلى أهمية تطوير منظومة الإسكان في بلادنا. فليس من المصلحة الاقتصادية أن تظل نسبة كبرى من السكان لا تمتلك مساكنها وهي من الحاجات الأساسية في حياتهم، أو أن تمتد قوائم الانتظار للحصول على قروض صندوق التنمية العقاري لنحو عشر سنوات. فالتحديات التي يفرضها معدل نمو السكان العالي في بلادنا وطبيعة تركيبته الشبابية، تعكس حاجة البلاد الماسة والسريعة إلى تطوير منظومة قطاع الإسكان من كافة جوانبها القانونية والتنظيمية والفنية والتمويلية. خاصة أن هذا القطاع يأتي في المرتبة الثانية في اقتصادنا من حيث الحجم بعد قطاع النفط والغاز، وسيكون لتطويره وإعادة هيكلته أثر كبير على رواج الاقتصاد.
صحيح أن قطاع الإسكان يعاني من مثبطات متعددة، لكن بشائر الإصلاح بدأت تهل, ومنها الحد من ظاهرة استيلاء البعض على مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للسكن والقريبة من الخدمات العامة خاصة في المدن والحواضر المأهولة، ليس لغرض السكن وإنما لتوسيع ملكياتهم وزيادة ثرائهم. إذ لم يعد من المصلحة التغاضي عن هذه الظاهرة في ظل التحديات التي يفرضها نمو السكان، واتساع نسبة الشباب في هيكل السكان، ومحدودية الأراضي في مدننا الكبرى، ونمو الطلب المتوقع. بل قد يتطلب الأمر فرض واجبات مالية على الملكيات القديمة تحديدا، حتى لو كان من باب المصلحة المرسلة. وقد يتطور أيضا إلى استرجاع هذه الملكيات بنزع ملكيتها إذا اشتدت حاجة الناس إليها، وتبين استمرار بقائها عاطلة لفترة من الزمن، حتى مع وجود فرائض وواجبات مالية عليها، فهذا مما يتوافق مع مقاصد الشريعة في المعاملات.
ومن ناحية أخرى، يعاني هذا القطاع أيضا من غياب نظام فعّال للرهن العقاري ونظام آخر لتوثيق الملكيات، وكذلك غياب مؤسسات التمويل المتخصصة القادرة على تطوير أدوات تمويل ملائمة، وهي أمور أعاقت بدورها قيام شركات رائدة للتطوير العقاري تمارس دورها كصانع ومحرك للسوق.
وهذا ما جعل التسهيلات الائتمانية لغرض الإسكان في اقتصادنا متواضعة جدا، في حين أنها في كثير من دول العالم تشكل نسبة كبرى من مجمل عمليات التمويل ( نحو 60 في المائة ). الإسكان هو أحد أهم متطلبات الناس الأساسية وهو من أغلى السلع التي يشتريها الناس في حياتهم، وعامة الناس لا يتوافر لهم مجمل قيمة السكن، فهم يحتاجون كغيرهم من شعوب الأرض إلى تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل. والموارد المالية اللازمة لمنح هذه التسهيلات موجودة، لكن يقف دونها غياب الأنظمة التي توفر ضمانا مناسبا للممولين من البنوك وسواها من مؤسسات الوساطة المالية (كصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية) أو ما قد يستجد من مؤسسات متخصصة في تقديم التمويل الإسكاني.
لكل ما سبق، سعدت جدا للتطورات التنظيمية الإيجابية التي برزت في هذا القطاع أخيرا. فقد علمت أن مجلس الشورى انتهى من دراسة نظام الرهن العقاري ونظام توثيق الملكيات وتم رفعه بالفعل للمقام السامي. كما حدث أيضا تطور مهم في مجال التمويل كان من بواكيره قيام شركة أركان بتأسيس شركة للتمويل العقاري، وكذلك إعلان مصلحة التقاعد أخيرا عن ترتيبات لتوفير التمويل الإسكاني لموظفي الحكومة ومتقاعديها.
الفرص الاستثمارية في بلادنا، سواء في قطاع الإسكان أو غيره، واعدة وكبيرة! وما نحتاج إليه هو أنظمة تحفظ الحقوق وتحقق الاستقرار في المعاملات، وتسمح بنموها ورواجها.
استثمروا في العقار إن استطعتم، فمخاطره متدنية وهو قطاع مقبل على رواج واسع!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي