(عَسـى البارِِقةُ لا تـُخـْلِفُ)
يقال إنَّ حاكما عربيا أعلن عزمه وتصميمه إنجاز الخطة التنموية الخمسية حتى لو امتدت الفترة الزمنية إلى ربع قرن، وهذا مواجه لتشكيك الإعلام الغربي والصحافة المحلية.
الجدل الدائر محلياً حول المدن الصناعية يماثل متابعة الظمآن احتمالات توافر المياه حوله قبل الموت عطشاً. الصناعة المحلية بعد أن كانت حلماً منذ ربع قرن، أصبحت اليوم، واقعاً بمستويات خدمية متفاوتة بين بحبوحة "الجبيل وينبع" وعشوائية المدن الصناعية وانتشار مصانع صغيرة داخل المدن. دخول الاقتصاد الوطني السعودي الحقبة الصناعية في الربع الأخير من القرن الماضي ليس الانطلاقة الطبيعية بقدر ما هو نتيجة سنوات سابقة من الأحلام والتمنيات تبعتها جهود مدروسة وتضحيات توفير الدفع الحكومي الذاتي لتحمِّس المواطنين والأجانب للاستثمار في الصناعة تحت الإغراءات الحكومية وقيام المدن الصناعية وصناديق التنمية والنظم والقوانين الحديثة المحفـِّزة للاستثمار، ومشاركة الحكومة في نشاطات تتطلـَّب رساميل كبيرة لاستثمارات ضخمة في تقوية وتحديث البنيات الأساسية لقيام الصناعة وفقاً لدراسات الجدوى الاقتصادية واتفاقات مشاركة أجنبية للتقنيات والتصدير المتخصص وتطوير التصنيع لنشاطات متفاوتة وتحتية تستخدم المنتوج الأساسي.
الاقتصاد الوطني السعودي، بعد مرور نصف قرن من التحديث الاجتماعي الاقتصادي، يقف على مفارق طرق متعدِّدة لاستمرارية حياة العمل والكفاح، ضماناً لمستقبل الأجيال المقبلة وهو يدري أنه يدري لما يريده وعارف كيف يصل لتحقيقه أو أنه لا يدري أنه لا يدري عمَّا يريده وغير عارف أنه لا يعرف الوصول لمراده أو العديد من الخيارات واحتمالات الإرادة والعلم بين المسارين المتباعدين. انفصام الفكر الاقتصادي الوطني المحلي قد يفسره "الهمس" الفكري الذي أوضحه صراحة مُعلنة عضو من مجلس الشورى وشجاعة قوله يوم الأربعاء 11/4/2007 "لقد كنت أنا سابقاً من المشككين في المشروع (مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية) وقلت ما هذه المشاريع التي تهبط من السماء، ولكني قضيت شهراً في دراسة مقومات نجاح المشروع واتضح لي أنَّ مقومات النجاح تتوافر فيه". لرئيس مجلس الشورى الشيخ صالح بن حميد توجُّهه ضرورة تنفيذ العمل في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وفق ما هو مخطط له، معرباً عن ثقته بنجاح المشروع"، مضيفاً القول "لسنا مشككين..لسنا قلقين..لسنا خائفين". معالي الأستاذ عمرو بن عبد الله الدبَّاغ أشار إلى أنَّ الهيئة العامة للاستثمار "تتابع عن قرب وتساند خطوات تطوير المدن الاقتصادية وفقاً للبرامج التي تم الالتزام بها وسبق الإعلان عنها، مؤكداً أنَّ خطوات تطوير مدينة الملك عبد الله الاقتصادية تتم وفقاً للبرنامج الزمني المخطط له".
العمل الذي توَّجه خادم الحرمين الشريفين برعايته واهتماماته عظيم. وتفاوت أفكار الأمة حوله قوية وانتماؤهم لنجاحه صادقة. رواسب مفاجأة بدايات ظهور الحدث قديماً وبدون مقدمات تركتهم بين مصدق ومستغرب. متابعتهم الأقوال الرسمية مقارنة بالحقائق الموثقة المعلنة والإنجازات على أرض الواقع، تفتح مجالات واسعة لأحاديث المجالس وتترك مساحات واسعة "للقلق والخوف". الشكوك لم تتطرق بعد إلى الأفئدة والقلوب. الزيارات الرسمية غير المصاحبة لإنارة الطريق وتوفير المعلومات وتقوية المعارف تزيد من شوكة المضللـِّين. تفعيل المبادرات الرئيسية التي تركز عليها الهيئة العامة للاستثمار كما في قول معالي المحافظ "تحسين بيئة الاستثمار وحل الصعوبات التي تواجه المستثمر المحلي والأجنبي".(الاقتصادية إصدار 12/4/2007) يقضي على كثير من السلبيات ويوعِّي الوطن والمواطن للفرص المتاحة لإقامة المدينة والاستثمار مشاركة أو فرادى. على الرغم من نقص الإيضاح الواقي العلمي المعلن من الهيئة العامة للاستثمار والمطور عن المتابعات الحثيثة التي لا بد أنها قائمة في الداخل والخارج، فإنَّ توافر المعلومة العلمية المفيدة مفتقد. أضراره: بقاء الوطن والمواطن فيما يتعلق بالتجربة السعودية الرائدة في إقامة المدن الصناعية مثل "الأطرش" غير العارف موعد "زفة النصة". مجهودات الهيئة تصبح مهمشة محلياً لقلة استمرارية الإفصاح العلمي المعلن. "الكلام المخبي الدقة" بعثرته في الجلسات الخاصة الليلية يتحوَّل إلى إشاعات متوترة في وضح النهار، ليختلط فيها حابل الهيئة مع نابل الشركة المطورة. الغيرة على مستقبل الوطن اقتصاديا، تجعل المدقق لتأثير سلبيات بعض الإخفاقات المهمة الصغيرة اجتماعا "مُحيرة": تراها حتى في مشاعر صغار المنتسبين الرسميين للهيئة وموظفي الشركة المطورة لالتزامهم المسؤول الأمين لمهامهم وعجزهم عن فهم ما يدور حولهم ضمن أهلهم وعشيرتهم.
الحقائق والمعلومات للعمل الكبير الجبَّار لا بد أنها متوافرة للمستثمرين والمساندين والمهتمين. الزيارات الرسمية والاجتماعات التفاوضية والاستفسارات المالية والإيضاحات الإدارية تتصاعد سريتها بما يسبق خصوصيات الالتزامات. توافرها داخلياً ينسخ المبرر للجهالة التي عليها الاقتصاد الوطني السعودي: طالما أنَّ المطلوب مشاركة المساهمين الوطني والأجنبي، فإنَّ توفير المعلومات وفقاً لأعمال الشركات مهم. الدور الحكومي المساند للمطور نتيجة للجهود الترغيبية والترويجية للهيئة تفصيلاته غير واضحة وليست ظاهرة. الدور الحكومي لنجاح الاستثمار الأهلي والخاص في الظروف العادية مهم، فما بالك أمام نمط رائد جديد للانطلاقة الاقتصادية الحرة من القيود المحرِّرة للمعطلات والتحول إلى "منطقة عمل" وفقاً لنظم وقوانين رسمية متطورة "لتأسيس صناعات جديدة مبنية على الميزات التنافسية للمملكة وتأسيس المدن الاقتصادية لمدن متكاملة تتوافر فيها مقومات الحياة العصرية التنفيذ، بشكل كامل من قبل القطاع الخاص، توفير بنية تحتية حديثة بمقاييس عالمية لزيادة تنافسية اقتصاد المملكة، وإيجاد بيئة جاذبة ومحفزة للاستثمار، وتوفير الخبرات اللازمة لتطوير الصناعات الجديدة من خلال استراتيجية واضحة للموارد البشرية" الأستاذ فهد الرشيد وكيل محافظ الهيئة للمدن الاقتصادية – (الاقتصادية إصدار 11/4/2007).
المواطن، عادي ومستثمر، يهتم كثيراً بالمدن الاقتصادية بمختلف أشكالها وألوانها الصناعية والذكية ومتفائل بالرعاية المتوافرة لها لعلمه الدور الفاعل البناء لتجارب الجبيل وينبع وباقي المدن الصناعية في النقلة الصناعية للربع الأخير من القرن الماضي. انزعاج الشريحة المهتمة بالمدن الصناعية نابع من ضخامة مشروع "المدينة الاقتصادية" وكثرة الأقاويل أمام نقص توافر المعلومات المصاحبة لماليات "المدينة" وخطط تناسق تنفيذ المشاريع وبرامج التدريب واكتساب التقانة من جهة وبعض المفارقات في أقوال المطور وأفعاله. التحوُّل من "فراغ التحسب" إلى تدارس الفرص ومعرفة التحديات المصاحبة طريق ينشأ عنه انشغال إضافي عن كيفية تحويل "المنطقة" الجغرافية المحيطة "للمدينة" إلى ورشة عمل. نمطية التصريحات الرسمية المتكررة الخاوية من المعلومة المفيدة والمفرغة من وضوح المسارات تجسيد للسلبيات. البحث عن المخارج من "الغمامة" التي عليها الاقتصاد الوطني السعودي فيما يتعلـَّق "بعلوم المدينة"، يزيد كثافة صعوبة معرفة الحدود الفاصلة بين الدور الذي تقوم به "الهيئة" والمسؤوليات المناطة بالمطور. المفترض أنَّ الأول يقدم العناصر الأساسية لتجعل من الصحراء "منطقة عمل" تنافسية والثاني يتولى تشييدات تحتية لبناء "المدينة" للمشاريع والخدمات المساندة. الإثنين يمكن أن يتقاسما الترويج لقيام الاستثمار بعد توافر تكامل العناصر الأساسية من نظم صادرة بمراسيم ملكية وموارد بشرية وطنية مدرَّبة. الآمال الطيبة والأماني الجميلة "برشامة" لا يُقدم عليها المستثمر الوطني ولا الأجنبي خوفاً من "كابوس" مستقبل قريب. "الضبط والربط" في توفير المعلومة في قوالب العملية المتعارف عليها علمياً مهم.
توفير "البنية العليا" للمدينة ومشاريع المستثمرين وفقاً لما تروِّج له الهيئة والمطور، كل في مجال مسؤولياته، من نظم وقوانين مساندة تحكمها إرادة سامية من الأولويات المنـُتظرة لتحريك عناصر حزمة البناء في التدريب والتثقيف والتمويل والانتماء والاهتمام بفرص الاستثمار. البنية التحتية إنجازها لا بد أنه متأخر، على الرغم من أنَّ المطور "أعلن" بداية التشييد مع وضع الحجر الأساسي للمشروع وقبل "التسجيل". الشهور التي انقضت "تمخـَّض" عنها مبنى فخيم للإدارة بفكر لا يتماشى مع "بساطة" الاقتصاد الاستثماري الجديد. الدعوة للاكتتاب: كثيرون من أصحاب المال والفكر الاقتصادي السعودي يعتبرون دعوة المطور للاكتتاب العام قبل إنهاء مسؤوليات تشييد المدينة "تسرُّع" كان يستحسن تجنبه. لوضع حد "للقيل" و"القال" يتطلب من المطور أن يعلن في الصحف المحلية والعالمية وفقاً لمتطلبات نظام الشركات وسوق المال طرق ووسائل إنفاق "الأموال" المحصلة لتجنب أي استنتاجات أضرارها أكثر من منافعها. المصلحة العامة فيما يتعلق بتمويل المدينة تتطلب العناية لإشارة وكيل محافظ الهيئة للمدن الصناعية في عرضه الاستراتيجي لوفد 30 عضوا من مجلس الشورى أنَّ "التنفيذ للمدينة بشكل كامل من قبل القطاع الخاص". المصلحة العامة تقتضي تركيز الإيضاح المستمر أنَّ المتوفرات المالية لشركة المطور وبدون مساندة من الدولة وفقاً لبيانات التدفقات المالية تستطيع أن تمول استثمار التطوير الكامل لإقامة المدينة وتحقيق دخول ربحية مزاحمة من الإيجارات والعوائد والمصروفات. مساندة الدولة المالية وفقاً لتجارب الاقتصاد السعودي الوطني في إقامة المدن الصناعية واقتصادات مماثلة توضح أنَّ المساندة الحكومية مطلوبة لمشروع "المدينة" في جميع المناحي وخاصة المالية.
ضمانة مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية تكمن في توفير التكامل المطلوب لعناصره الأساسية في "الحياة والعمل". التفصيلات التي قدمها الرؤساء التنفيذيون لشركة المطور للضيوف الكرام إجمالية التفصيل للأعمال التي تمت: سماعها يشرح القلب، وواقعها "المحيط" لمبنى الإدارة يفرض توفير إفصاحات عملية وحسابات تفصيلية وجداول الجدوى للمدينة والتكاليف المقدرة لتشغيلها: لا يخطر على "بال بشر" قيام هذا المشروع العملاق بدون توفرها. لا يمكن للمستثمرين الأجانب الانشداد إلاَّ بعد إطلاعهم على التفاصيل كاملة. حجب المعلومات لا يتماشى مع الروح التي يقوم عليها المشروع ومن حق المستثمرين أن يعرفوا الأسس التعاقدية خاصة في الأحوال التي ينتج عنها مشاركات في الملكية والإدارة للميناءين وقطاع النقل البحري وما يتفرع منه.
إذا هنالك خوف وقلق وتشكك، فإنَّ مصدره الفراغ المعلوماتي من الهيئة والمطور والابتعاد عن اتباع القواعد التجارية التطبيقية المتعارف عليها اقتصاديا وخاصة في توقيت الاكتتاب العام.
التركيز على الوعود وتكرار التطلعات المرتقبة وتذكير الناس بفوائد المتغيرات الحديثة أقل من نصف "ماء الكوب": الباقي أهم ولا يخرج عن المفروض توافره للعناصر المتعلقة بالربحية والاتفاقات الجانبية لمراحل التشغيل الإنتاجية. امتداد نفع "المدينة" للمناطق المجاورة وامتدادا لأنحاء المملكة يتأثر بفكر التعاقدات في "النواحي" المرادفة للاستثمارات والتشغيل ومدى الإبقاء على الجزء الأكبر لمصلحة الاقتصاد الوطني السعودي دون اقتطاع المشاركين "الغـُرب" و"العرب" لحصة "الأسد" خاصة في النشاطات الاقتصادية الجانبية المترتبة على تكامل العمل. التحديات لتحقيق المكاسب للوطن والمواطن من المفترض أن تقوم على تركيبة إدارية قوية تتناسب مع المسؤوليات: يقدر ما تكون هذه ضمن "الشركة المالكة الأم للمدينة"، كلما أمكن حصرها. الذي أمامنا استثمار كبير وآمال عراض لمستقبل قادم. مهما كان "الوقت" المقرر للعمل مهما، فإنَّ تحديد مراحله متصل بتقدم المشروع مالياً يضمن الحقوق. الضخامة والتكلفة العالية ربما تقللان مجازفاتها تواصل تسلسله تكاملاً على مراحل. التنفيذ المرحلي المتكامل مفيد ويقلل من أهمية تطويل الزمن وتقصيره. التشغيل المتكامل يتحقق مبكراً والتوسع للمستويات المقدرة تتم تباعاً. العمل المريح للمستثمر والمساهم والوطن يؤمنه توافر التكامل الإداري "لمشروع المدينة" والانفطام عن هيئة الاستثمار العامة، إلا إذا تحوَّلت بقدرة قادر لتصبح "هيئة المدينة". والله أعلم.