على نفسها جنت براقش

[email protected]

(تكملة لقصتنا السابقة)

سبق أن تحدثت عن صديق تعرفت إليه في أمريكا، وشفعت له وساعدته بالمجيء إلى بلادي الحبيبة للاستفادة من مواهبه الفذة، ولحماسه الكبير الذي ترجمه إلى أعمال واقعية. كان يشاركني أحياناً في مساعدة الشباب وتلمس احتياجاتهم في أرض الغربة. كنت أطلب منه (أحياناً) مساعدتهم على اختيار التخصصات المناسبة في مجال الهندسة والتقنية، وخصوصاً تلك التي نحتاج إليها في البلاد الإسلامية. وبما أنني تحدثت عن جزء من الأعمال البسيطة التي كنا نقوم بها في أرض الغربة, فاسمحوا لي التعريج على شرح هذه الأعمال باختصار شديد.
كنا نقوم بتشكيل عدد من المجموعات لمساعدة الطلاب المستجدين. هناك مجموعة مسئولة عن استقبال الشباب في المطار، ومجموعة أخرى تستأجر لهم الشقق وبأسعار مناسبة وفي أحياء آمنة، ومجموعة أخرى تسهل عملية التسجيل في الجامعة واختيار التخصصات المناسبة، ومجموعة المتابعة، التي أستطيع أن أطلق عليها quality check من شأنها التأكد من أن المستجد خُدِم بطريقة مناسبة. وبهذه الطريقة استطعنا مساعدة معظم الشباب، بل انضم إلينا بعض منهم وقام بأعمال تطوعية غاية في الإخلاص وقمة في الأداء.
من خلال هذه الأعمال التطوعية تعرفت على صديقي، الذي كلفناه بالمتابعة في الجامعة فقط. وكما سبق أن أوضحت مدى تعاونه. كان دقيقا جداً وحريصا على تسجيل كل صغيرة وكبيرة ووضعها في جدول ومتابعتها حالة بحالة، وفي نهاية الأسبوع يعطينا تقرير مفصل عن ما قام به.
دعوني أكمل ما بدأته في المقال السابق، الذي ذكرت فيه أن صاحبنا أصبح من كبار رجال الأعمال في المملكة العربية السعودية, مملكة الخير والبركة لجميع شعوب العالم، وهذا فضل من الله خص به هذه البلاد، حكومة وشعبا ووطنا. فلله الشكر والمنة من قبل ومن بعد. بطل قصتنا وللأسف الشديد تنكر للجميل وعض اليد التي مدت له. وليتها كانت عضة أسد أو ما شابهه من الوحوش المفترسة (عضة محدودة التأثير)، ولكنها كانت عضة للمبادئ والأخلاق، وافتراسا لشباب هذا البلد الطيب واغتيالا لطموحاتهم وتحطيم مستقبلهم.
طبعاً هذه ظاهرة شاذة جداً. وكلنا يعلم أن معظم ضيوف هذا البلد المعطاء يتمتعون بأخلاق عالية ولهم بالغ الأثر في التقدم الذي وصلنا إليه. فهم من تعلمنا على أيديهم، وهم من ساهم في البناء منذ بداية التأسيس، ولهم لمسات لا ينكرها إلا جاهل. القصة التي أوردتها، كانت لحالة شاذة، وهي الآن تحصد ما جنته على نفسها. أو كما يقول المثل الشائع (جنت على نفسها براقش) فقد مصداقيته عند كثير من عملائه.
ذكرنا أن صديقنا بدأ كمسوق برأسمال سعودي 100 في المائة، وسبق أن أرسلت له عددا من المهندسين خريجي الكليات التقنية والجامعات السعودية، ولكنه يدفع لهم مرتبات متدنية جداً، ويعدهم بتحسين أحوالهم بعد حين إلى أن يضطرهم للرحيل من شركته بعد أن حطم مواهبهم، وأضاع عليهم أوقاتهم. لذا قررت الذهاب إلى شركته على مضض, لكي أبين له أن ما يقوم به من مكافأة لأبناء هذا الوطن المعطاء ينطبق عليه المثل السائد (جزاء سنمار)، فنحن لا نستاهل هذا الجزاء.
كانت المفاجأة الكبرى، التي سبق أن أطلعني عليها بعض ممن شفعت له بالعمل في شركة المهندس الفذ، حيث استطاع جلب معظم أقاربه ومعارفه من أبناء جلدته، وبرواتب تراوح بين عشرة آلاف و25 ألف ريال سعودي. ويشهد الله أن من بين الشباب الذين أرسلتهم له من هو أعلى وأكفأ بكثير ممن وظفهم من أقاربه ومعارفه. بعد مقابلة الشخص ومعاتبته، اتبع الأسلوب القديم نفسه، فهو يعطيني من طرف اللسان حلاوةً ويروغ كما يروغ الثعلب. ذكرت له أنني اطلعت على السير الذاتية لمعظم موظفيك، ووجدت أنهم أقل كفاءة من الشباب السعودي الذين أرسلتهم لك. عامل شبابنا بالمثل، وأتح لهم فرصة العمل ودربهم، فأنت في وطنهم, الذي يعتبر وطنك الأول. فراوغ كثيراً، ولكنه عرف أنني تأكدت من عدم إخلاصه وكشفت بعض ألاعيبه ’فأصبح يتصل بي كثيراً ويدعوني إلى حفلاته الخاصة، التي لم ولن أحضرها أبداً.

خبر وصلني جديد بخصوص شركة صاحبنا
استطاع إدخال شركته للعمل في قطاعات حكومية حساسة جداً. كان ذلك عن طريق بعض الشركاء السعوديين وبتعاون من الجهة المختصة لثقتهم الأكيدة في هذا الشخص. بعد مرور السنين الطويلة تأكد لهذه الجهة عدم مصداقية صاحبنا وشركائه، فأُُخرِجت شركتهم من هذه المنشأة، وهناك بعض القطاعات التي ستجد نفسها تسلك الطريق نفسه.
وأخيرا ما يصح إلا الصحيح. فلكي تكون رجل أعمال ناجحا ومبدعا، فأنه يجب عليك التحلي بالأخلاق الحسنة والصادقة، وأن تكون شفافاً ومبدعاً وصادقاً في المعاملة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي