زمان (جاك الذيب.. جاك وليده) والآن (جاك .. جاك الموت)

العدو الأزلي للأعراب في الصحاري هو "الذئب" .. لأنه يفتك بأغنامهم التي تعتبر من ثرواتهم القومية حيث يعيشون على لحومها وألبانها ومن أوبارها يصنعون كساءهم وفراشهم وخيامهم (بيت الشعر).
وكما يحارب المقتدرون كل من يحاول (تدمير اقتصاد بلادهم) .. فالأعراب أيضا يحاربون هذا (الذئب) الذي يفتك بأغنامهم والذي وصف أحد الشعراء غدره بقوله:

ولولا افتراش الذئب للغدر صدره
لما كنت أتلو في مطالبها الأسد
وكما قال بشار بن برد:
السخل غر وهمُّ الذئب غفلته
والذئب يعلم ما في السخل من طيب
وإن الذئب (سرحان) يعجز عن الذي يكون
(منيع الحمى) لا يختل الذئب سرحه
ومن شيم السرحان ختل وعدوان

وعن شر الذئب وغدره قال الحطيئة متمنيا أن يتخلص بعض الناس من طمعهم وغدرهم ولا يكونوا كالذئب غدرا ومكرا:

متى أرى الناس وقد نزهوا
عن شره الذئب وعن غدره

بل إن الذئب يكون أقل شرا من بعض الناس كما قال الشاعر الذي كاد يطير من الخوف لما سمع صوت (قاطع طرق):

عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى
وصوّت إنسان فكدت أطير
والإمام الشافعي قال:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضا عيانا

لأن الذئب يفتك بالغنم متى ما رأى (الرعيان) لاهين عنه ولا يفتك بالبشر. وكما قال مصطفى الغلاييني:

وما هو إلا "الذئب" حتى إذا رأى
"ذهولا" من الرعيان شد على الضأن

والذئب في حياتنا المعاصرة وعند (البدو) مذموم ممدوح، فمن يذمه قال:
واقنب قنيب الذيب في رأس مرقب
من حر ما به قام ينهش جنوبه

وبعضهم قال يخاطب الذئب الغدار في قصيدة يرثي ابنه الذي اسمه (ذيب):
يا ذيب أنا باوصيك لا تأكل (الذيب)
كم ليلة عشاك عقب المجاعة

ومن أروع ما قاله بركات الشريف:

يا ذيب وأن جتك الغنم في مقاليك
فاكمن لين إن الرعايا تعداك
من أول يا ذيب تفرس باياديك
واليوم جاء ذيب عن الفرس عداك

حقا اليوم جاء ذيب أدهى وأمر وأشرس وأغدر من "ذيب البراري" الذي معظم ضحاياه أغنام .. جاء "ذيب اليوم" الذي ضحاياه من البشر بالملايين.

فإذا كان البدو يعبرون عن قلقهم بمثل يقولونه
(جاك الذيب .. جاك وليده)
فاليوم نعبر عن الغادر المعاصر الشرس المرعب بمثل آخر يقول (جاك.. جاك الموت) والذي سوف نذكره في الحلقة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي