طاشكندي والرحيل!

[email protected]

تعرفتُ عليه قبل عدة سنوات، وجلستُ معه ساعات في حديث متشعب وطويل عن مسيرة النفط السعودي؛ نشأته، بداياته، امتيازاته، وشركاته العاملة، وأجريتُ معه تسجيلاً خاصاً عن سيرة أحد رجالات النفط السعودي الشيخ عبد الله الطريقي. وقد أفدتُ منه كثيراً، خاصةً ما يتعلق بتكوينات الإدارة العامة لشؤون الزيت والمعادن في جدة، التي أُسست عام 1954م فالتحق بها موظفاً في إدارة الشؤون المالية. وكان أحمد محمد طاشكندي، الذي فارقنا في الأسبوع الفائت، ذا ذاكرة قوية حافظة للتفاصيل والمشاهد وللأسماء الفاعلة في خريطة النفط السعودي، وكان صريحاً إلى الحد الذي ربما أغضب الكثيرين عليه! وقد شكا لي أكثر من مرة ما لقيه من بعض أصدقاء الطريقي، المحبين له حُباً جمّاً، من عَنت ولوم على الحديث الذي أفاض فيه إليّ عن شخصية "المدير العام" الذي وصفه طاشكندي بأنه كان متعالياً ومغروراً! رغم كفاءته وقدرته التي لا يتنازع عليها اثنان. ومما يؤكد شكوى طاشكندي من بعض رفاق الطريقي أن السيد مصطفى حافظ وهبة، عبّر لي عن استيائه من حديث طاشكندي، مفنداً إياه، متمنياً عليه لو اتجه إلى الصحافة وترك النفط وشؤونه ورجاله جانباً!
هكذا كانت صراحة طاشكندي، الذي أضاف أيضاً أن الطريقي جمع ذات مرة موظفي إدارته وتحدث إليهم حديثاً مُسهباً مفعماً بالحس القومي، داعياً إياهم إلى التمسك بالقومية ونبذ القطرية، وخص طاشكندي بالقول إنه إذا لم ترضع مبادئ القومية العربية، فعليك العودة إلى بخارى! ورغم هذا الإملاء "الموجع" إلا أن طاشكندي تجاوزه إلى الدفاع عن وزيره، حينما انتقده مندوب شركة أرامكو السيد بروم في المؤتمر الثاني للبترول العربي في بيروت عام 1380هـ، إذ كتبَ مقالين متتالين في صحيفة "الندوة" يطالب بمحاسبة مندوب "أرامكو" على ما تفوّه به من كلام تجاه الشخص المسؤول عن النفط السعودي، وكل ما ورد أعلاه بتفاصيله منشور في كتابي "عبد الله الطريقي.. صخور النفط ورمال السياسة" وجئتُ به هنا عرضاً في الحديث عن السيد أحمد طاشكندي، رحمه الله، الذي لم يمهله القدر ليرى شيئاً من تاريخه في سيرة رفيق درب عمل معه، يوم أن كان مديراً عاماً ثم وزيراً.
ولد أحمد طاشكندي في مكة المكرمة عام 1930م وتخرج في جامعة القاهرة متخصصاً في المحاسبة، وعمل في عدة إدارات وجهات ذات صلة بالاقتصاد والنفط، بدأها في إدارة شؤون الزيت والغرفة التجارية الصناعية والمؤسسة العامة للكهرباء ومنظمة الأوبك، وقدم عدة دراسات استشارية اقتصادية، وتوّج خبراته في هذا الجانب بمؤلفات ذات أهمية، منها "أرامكو وامتياز الزيت" و"منظمة الأوبك" و"الاستراتيجية النفطية السعودية" وظل كاتباً اقتصادياً في عدد من الصحف إلى ماقبل وفاته، كما عمل رئيساً لتحرير مجلة الغرفة التجارية الصناعية في جدة.
أثناء دراسة طاشكندي في القاهرة، تعرف إلى زميلته السيدة سميحة أحمد، فتزوجها في القاهرة وعادت معه إلى السعودية، وبدعمه لها ومؤازرته، حقّقت ريادةً في الصحافة السعودية، حينما أعدّت وأشرفت على أول صفحة معنية بشؤون المرأة وذلك في عام 1958 التي تم نشرها بشكل أسبوعي بعنوان "نسائيات" في صحيفة "الخليج العربي" التي أصدرها في المنطقة الشرقية الأديب الرائد عبد الله شباط.
رحم الله أبا هشام، فقد فقدنا برحيله كاتباً ألمعياً ورجلاً هاشاً باشاً في وجوه أصدقائه ومعارفه، وكان ذا تعليقات لاذعة وساخرة، وكلما التقينا ناقشنا موعد سفرنا إلى جنوب إفريقيا، حيثُ تقيم كريمته "ميرفت" مع زوجها الدكتور سعود بن الأديب الكبير محمد حسين زيدان، الذي يعمل سفيراً لخادم الحرمين الشريفين هناك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي