الإسلام والصومال والحروب في إفريقيا

[email protected]

أعادت مشاهد قتل وسحل وإحراق الجنود الإثيوبيين في الصومال قبل أيام قليلة العالم إلى ذكريات ما حدث للجنود الأمريكيين في هذا البلد نفسه عام 1993 وهو ما أدى إلى انسحاب القوات الأمريكية منه، وطرح من جديد قضية الإسلام والحركات الإسلامية والعنف في القارة الإفريقية كلها وليس في الصومال وحده. والحقيقة أن اختزال الإسلام في القارة السمراء وعلاقة أهلها به فقط في مثل تلك المشاهد الدموية وما يمكن أن يرتبط بها من صراعات ذات أبعاد مركبة معظمها بعيد عن الإسلام يعد ظلماً كبيراً لحقيقة ودور هذا الدين فيها. فقد مثل الإسلام للقارة الإفريقية منذ دخوله إليها ظاهرة ذات أبعاد عميقة متعددة ثقافية ودينية وسياسية واجتماعية ذات تأثير واضح على ما تشهده من تطورات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وإذا كان الإسلام قد ظل كذلك طيلة وجوده في إفريقيا فقد زادت أهميته فيها مثلما حدث بالنسبة لمناطق أخرى عديدة في العالم وفي العلاقات بين دوله خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي ظهرت أثناءها ونمت ظاهرة الإحياء الإسلامي بكل مظاهرها ومستوياتها.
وقد بدأت علاقة الإسلام بإفريقيا مع أول هجرة للمسلمين قبل تأسيس دولة المدينة التي كانت إلى "الحبشة"، أو إثيوبيا، ثم انتشر الإسلام في القارة بعد ذلك عبر الدخول أولاً إلى دول الشمال الإفريقي ثم انتقل بعد ذلك عن طريق التجار والمغامرين الباحثين عن الثروة والتجارة المربحة إلى دول الجنوب الإفريقي. وقد لعب الإسلام في معظم هذه الدول دوراً مهماً في توحيد صفوف القبائل المتنازعة والعمل على بث روح العمل والفضيلة فيها، وأضحى بذلك عامل "وحدة" لا "فرقة" وعامل جذب لا طرد في دمج الشعوب في بوتقة واحدة. وعلى الرغم من العدد الأكبر من المسلمين حول العالم يوجد في قارة آسيا التي تضم نحو 70 في المائة من المسلمين، إلا أنهم لا يمثلون أكثر من 30 في المائة من سكانها، بينما يمثل المسلمون نحو 50 في المائة من سكان القارة الإفريقية، الأمر الذي يجعلها أكبر قارات العالم التي تضم مسلمين من إجمالي سكانها. وقد مر انتشار ووجود الإسلام في القارة الإفريقية بعديد من المراحل منذ دخوله إليها، إلا أنه زاد انتشاراً في مختلف دولها مع بداية الدخول الغربي الاستعماري إليها في القرن التاسع عشر وترافق ذلك مع حملات التبشير الواسعة والمكثفة، الأمر الذي خلق ردود فعل إسلامية قوية ترتب عليها مزيد من انتشار الإسلام في جنبات القارة السمراء وزيادة عدد معتنقيه فيها.
وبالرغم من كل ذلك ومن حقيقة اتساع مساحة الإسلام في إفريقيا يوماً بعد آخر، فإن بعض النزاعات والصراعات التي ثارت في بعض المناطق والدول الإفريقية التي بدت مرتبطة ببعض القضايا والموضوعات الإسلامية قد أثارت التساؤل حول ما إذا كان الإسلام هو سبب إثارتها أم أن هناك أسباباً أخرى لها لا علاقة لها به؟ فأحداث نيجيريا قبل عدة سنوات، وأحداث العنف والقتال في جنوب وغرب السودان المشتعلة هي الأخرى منذ سنوات مثالاً، والأزمة الجزائرية التي طالت لنحو عشر سنوات دموية، وأخيراً الأزمة الصومالية المحتدمة منذ بداية التسعينيات بآخر حلقاتها الجارية حالياً، كل تلك الأزمات والصراعات دفعت عديداً من الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية إلى القول ـ عن عمد وبغرض التشويه ـ بأن الإسلام هو مصدر للصراعات والنزاعات الكبرى في القارة الإفريقية سواء كانت داخلية أو خارجية. والحقيقة أن إعادة تأمل وتحليل النزاعات والصراعات الإفريقية الداخلية والخارجية يبرز عدة حقائق تساعد على توضيح مدى علاقة الإسلام بها. أولها، أن الصراعات الإفريقية كانت في معظمها صراعات قبلية وليست دينية على الرغم من تداخل القبلي مع الديني في بعضها، وثانيها أنه في معظم الصراعات والحروب في إفريقيا كان الوصول إلى الحكم هو الجذر الرئيسي لاندلاعها. وتشير الملاحظة الثالثة إلى أن مصادر الثروة، سواء النفطية أو المعدنية، كانت ـ ولا تزال ـ سبباً رئيسياً وراء التدخلات الخارجية المستمرة في شؤون الدول والمجتمعات الإفريقية وفي اندلاع الصراعات والأزمات بين مختلف فئات وقطاعات أبناؤها أنفسهم. والحكم والبلاد وهناك العديد والعديد من النماذج التي انتهى بعضها والتي مازال بعضها الآخر مستمراً حتى اليوم. من ناحية رابعة، فقد ظلت الخلافات الحدودية بين دول إفريقية كثيرة واحداً من أبرز مصادر الخلاف والنزاع بينها، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح في القرن الإفريقي الذي تمثل الصومال وإثيوبيا جزءاً منه.
بذلك يبدو من الواضح أن الإسلام كديانة أو ثقافة لم يكن هو السبب الرئيسي أو الوحيد في إثارة النزاعات والصراعات والأزمات الداخلية والخارجية في إفريقيا، كما تشيع بعض الجهات والأقلام، وإن كان هذا لا يمنع من الإقرار بأنه في السنوات الأخيرة بدأ ظهور بعض العوامل المرتبطة بطريقة ما بالإسلام وفي مقدمتها تزايد عدد وانتشار الأفكار والمجموعات الإسلامية المتشددة في بعض مناطق القارة السمراء. إلا أن هذا التزايد والانتشار نفسه لم يكن في معظم الحالات سوى نتيجة لأسباب وعوامل أخرى دولية وإقليمية ذات طابع سياسي وعسكري بعيدة عن الإسلام والمسلمين، إلا أن هذا قد يستلزم حديثاً آخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي