سحابة هارون الرشيد في اليوم العالمي للمياه
يحتفل العالم يوم 22 من شهر آذار (مارس) الحالي، باليوم العالمي للمياه ومرور عامين على العقد الدولي للمياه من أجل الحياة (2005-2010م)، والذي أكد ضرورة أن تعيد الدول كافة نظرتها في أساليب معالجتها قضاياها المائية ووضع خطط مناسبة لإدارة مواردها المائية بأسلوب متكامل يأخذ في الحسبان الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية كافة، لضمان الحفاظ على قطرة المياه من أجل التنمية والحياة.
وعلى الرغم من ذلك فإن العديد من الدول مازالت تعاني أزمة مياه (Water Crisis) ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، نذكر منها:
العامل الأول: عدم توفر موارد مائية متجددة بكميات كافية لتلبية الطلب المتزايد للأغراض المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى استنزافها مواردها المائية غير المتجددة واستخدامها موارد أخرى غير تقليدية (كميات الصرف الصحي المعالجة أو المياه المحلاة) أو اللجوء إلى استيراد المياه من الخارج كحل بديل وهو ما اصطلح عليه بالمياه الافتراضية (Virtual Water). ويشير تقرير الأمم المتحدة الصادر على 2006م بعنوان: "المياه المسئولية المشتركة" إلى أن عدد الدول التي تجاوزت فيها نسبة الاستخدام الإجمالي الفعلي لموارد المياه المتجددة بها (15) دولة من واقع (193) دولة ممثلة في الأمم المتحدة. وللأسف فإن غالبية هذه الدول تقع في المنطقة العربية وعلى رأسها الكويت (2227 في المائة)، الإمارات العربية المتحدة (1538 في المائة)، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك ليبيا (802 في المائة)، مصر (118 في المائة)، الأردن (115 في المائة)، ومن الدول الإسلامية في آسيا أوزبكستان (116 في المائة)، وتركمانستان (101 في المائة).
العامل الثاني: الفقر وسوء الإدارة والذي يحول دون حصول المواطن على مصادر مياه محسنة ومأمونة على الرغم من توافر موارد مياه متجددة ومستدامة. ويشير تقرير التنمية البشرية الصادر حديثاً عام 2006م، إلى أن غالبية السكان في الدول المصنفة في نطاق التنمية البشرية المنخفضة (الدليل أقل من 0.5) ليس لديهم إمكانية للحصول على مياه مأمونة وتضم هذه المجموعة الدول الإفريقية جنوب الصحراء مثل: تشاد (73 في المائة)، إثيوبيا (76 في المائة)، رواندا (59 في المائة)، بوركينافاسو (58 في المائة)، وغيرها، ومن الدول العربية: موريتانيا (63 في المائة)، اليمن (31 في المائة)، وجزر القمر (25 في المائة).
العامل الثالث: ظروف طبيعية خارجة عن إرادة البشر بسبب مخاطر الكوارث (Disaster Risk) أو التعرض لانجراح الطقس وتغيره (Climate Vulnerability) وهي ظواهر بيئية تتعرض لها العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، التي تضم بلدانا إسلامية كبيرة مثل: باكستان، بنجلاديش، وإندونيسيا.
العامل الرابع: الممارسات غير الأخلاقية في التعامل مع المياه واستخداماتها المختلفة، حيث إنه مازال هناك إصرار على تعميم مفهوم المركزية في إدارة الموارد المائية بدلاً من ترسيخ مبدأ المشاركة (Participation) مع المنتفعين بالمياه. ويبدو ذلك جلياً في إدارة عمليات الري ومشاريع الحماية من التلوث وغيرها. من ناحية أخرى فإن تسعير المياه لا يتم التعامل معه في نطاق منصف بل يتم استغلال الموارد المائية في العديد من الدول الإفريقية والآسيوية واللاتينية من قبل تجار المياه باعتبارها سلعة اقتصادية قابلة للمتاجرة والكسب بدلاً من تطبيق مبدأي المساواة والعدالة الإنسانية لمصلحة فقراء تلك الدول.
ولكن ما موقع سحابة هارون الرشيد في موضوع احتفالية اليوم العالمي للمياه؟
يروي لنا التاريخ أن الخليفة العباسي هارون الرشيد نظر إلى السماء من نافذة قصره المشيد في بغداد مخاطباً سحابة تحجب قرص الشمس قائلاً: "أيتها السحابة اهبطي أياً شئت فإن خراجك عائد إلى بيت المال"!
ومغزى هذه الرواية يتمثل في نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى هي ثقة هارون الرشيد الأكيدة بالاحتفال بهطل مياه هذه السحابة على أرض دولته الواسعة الأرجاء والممتدة في قارات العالم القديم الثلاث، وهو ما يعرف عنه حالياً بحصاد الأمطار (Rain Harvesting). والنقطة الأخرى تتعلق بنظرة هارون الرشيد إلى مياه الأمطار كمورد اقتصادي وقيمة مضافة للدخل وهو ما اصطلح عليه حديثاً الناتج القومي الإجمالي (GDP).
وخلاصة القول، إن هناك أزمة مياه دولية تتسم بالاستمرارية، ومعاناة حقيقية لهذه الأزمة في العديد من الدول العربية والإسلامية، في أرض هارون الرشيد، ويبدو أن الاحتفال باليوم العالمي للمياه سيمر هذا العام أيضاً دون أدنى (صدى) مؤثر طالما أنه لا توجد آليات تنفيذية ملزمة تعمل على إنهاء تلك الأزمة، خاصة في ظل عدم الرغبة في التغيير من قبل أصحاب القرار واللامبالاة في التعامل مع الأزمة والتقيد بأخلاقيات استخدام المياه من المواطن في تلك الأقطار.