(الـْخبــالْ ما يْبــاتْ خـَلاوِي)
الاهتمام بمعرفيات الأحداث المعيشية المحلية متزايدة. التصاقها بالشأن العام ومضايقاته لمحدودي الدخول وصعوبات مواجهة تزايد ضروريات الحياة على حساب تناقص الكماليات نتيجة تحسن مستويات العيش غير المصاحبة لارتفاعات الدخول محيرة. مُحير ومتضارب، للتباين لهدف واضح، على الرغم من تدرُّج الصحافة والتلفاز المحلي في الاعتناء بتغطية الخبر بالصورة إضافة إلى تعليقات العديد من كتاب الأعمدة والمقالات. تجارة الأسهم تستحوذ على مساحات إعلامية كبيرة على مدار السنة في تزاحم مع نجاحات "بليونرية" العديد لنتائج البنوك والشركات المساهمة العامة. المشاكل الاجتماعية العرضية تستقطب نصيب الأسد من الكتاب لأيام الشدة. صداها يتبخر سريعاً مع بقاء المشكلة. الكتابة تعود مع تجدد رياح "المشاكل" العاصفة لتراكم ديون الأفراد وعشوائية التسعيرات البنكية إلى زيادة الأسعار عند التجار، أمام ثبات دخول العمال والموظفين، وتجميد مخصصات المتعاقدين. أبرز الأضرار الاجتماعية التي يلاحقها كتاب الأعمدة وفقاً "لهواهم"، التباين بين ثبات الدخول الشهرية ومخصصات المتعاقدين من جهة، وزيادة أسعار السلع والبضائع والأجور من جهة أخرى. الأضرار المترتبة من منظور تقدير الكتاب، تكمن في "معاناة مجتمعنا من الجريمة والتطرف" و"دفعهم لارتكاب كل الموبقات إذا لم تتخذ خطوات إيجابية وسريعة لوقف ارتفاعها" وطلبهم المتواضع أنَّ "مجلس الشورى مطالب أيضاَ بالعمل على تحسين أوضاع المواطنين المادية بكل الطرق والوسائل. ("الوطن" إصدار الثلاثاء 13/3/2007 ص 22). الإعلام المحلي المقروء والمنظور، قادر على أن يؤثر إيجابياً في القضية "التموينية" بمقدار التزامه الصحافي الواعي، وتقوية معلوماته المصرفية المنصفة الراصدة لعدالة تقاسم منافع تعامل المواطنة الصالحة بعيداً عن الإثارة الجاهلة والغوغائية المغرضة.
ارتفاعات الأسعار في الظروف العادية على العديد من البضائع والسلع والخدمات، متوسطها السنوي المقدر في حدود 10 في المائة. قليل من البضائع والسلع تحافظ على ثبات أسعارها لسنوات طويلة مثل "الموز" ولمدد متأرجحة مثل "الرز". التغيرات البيئية يترتب عليها تصاعدات سعرية مثل "الزيوت"، وأخرى نتيجة لتغيرات تعرفات جمركية دولية ومحلية مثل كثرة من المنتجات الزراعية. مغالاة المصدرين السعرية للبضائع الاستهلاكية المعمرة "المغلفة بفزلكات" مغرية ومشوِّقة تلاقي خاصة من أصحاب الدخول المحدودة، سوقاً رائجة (بالهبل). التلاعب السعري بمقدرات المواطنين قائم على "عينك يا تاجر" وغير خاف على "بصَّاص البلدية"، ويؤثر على المصداقية. المستهلك يتألم لظهور التلاعب ويتضرر من بشاعة استمراره. تعاطيات البشاعة ظاهرة لمن يتألم لضرباتها. أبلغ صورها حديثاً زيادة تعرفة الليموزين في كبريات المدن مصاحبة لتخفيض سعر البنزين أخيرا. السكوت على تصرفات غير مسؤولة لضروريات المعيشة، يشجِّع تكرارها وتزايد انتشارها، لطمأنينة المفسدين من عدم المساءلة والعقاب. ضياع "الحابل بالنابل" يعظـِّم تجذُّر الغائب الحاضر. تعميم الاتهامات لتعاملات السلع والبضائع والخدمات، في غياب العيون الساهرة المفرِّقة بين أمان التجارة وعشوائية المتاجرة الجشعة ضرب من الفساد. تجارة القطاعي والجملة التي "تألـَّقت" قديما عندما كانت تضع مكاسب القرش فوق القرش غدت في طريق الاندثار. "صيرفة القطاعي" خدماتها للمواطن الفرد متدنية الأداء ومتغالية التسعير لاهتمامات البنوك المحلية بالصفقات التجارية الكبيرة والمالية المُدرَّة للبلايين. التطوير والتحسين في الموانئ السعودية مكاسبه منظورة في تحسُّن أداء الموانئ. منافع تقدُّم الموانئ النقدية لا تصل إلى جيوب المواطنين المستهلكين لانعدام التأثيرات على تكلفة الواردات. لا أحد يراجع طريق توجهات الوفورات المحققة والتحقق من سلامة وصولها لجمهور المواطنين لكامل "الفوائد الحركية النقدية": من التسليم المباشر البضائع، والاستغناء عن نقل المنتجات المبرَّدة المستوردة بواسطة التجار من ساحة الجمارك إلى وفورات الخدمة المباشرة للواردات المثلجة من السفينة لمستودعات المستورد. ناهيك عن عدم تحري مصير تأثير وفورات تكاليف تخليص الواردات على الأسعار لفائدة المواطن: من الكشف الآلي والتسليم المباشر للآلات والسيارات والبضائع المعمرة. تقرير البنك الدولي لرفع كفاءة تشغيل الموانئ السعودية وتحجيم بيروقراطية المراحل الجمركية وفقدان تعاون الأجهزة الخدمية خاصة في ميناء جدة الصادر منذ نحو عشر سنوات قدر الفوائد المجنية من تطبيق التحسينات المقترحة بما لا يقل عن 9 في المائة. "التهذيبات" المقترحة تمت بعد طول انتظار، والمغانم بعثرتها "اللسلسة" المناخية، و"مقتنفات" الرياح التي تأتي بما لا تشتهيه السفن.
التجارة تطورت على مدار ربع قرن مضى ليتولاها رجال أعمال متعددو الاختصاصات: (الجاذبة لمستويات متفاوتة الربحية تمشياً مع اختلاف المغامرات). النتيجة أنَّ التجارة في السلع والبضائع فقدت أهم خصائصها في ضغط التكلفة والتزاحم في الجودة والسعر على مختلف مستوياتها من المصدر إلى المستهلك. تجارة الجملة اندثرت لعزوف الأبناء توفيرا لمشقة الاستمرارية بعيدا عن البقاء في صنعة الآباء. تجارة القطاعي "الدكاكيني" في زوال مع تزايد المراكز التجارية بأحجامها المختلفة. أعدادها الضخمة في المدن الرئيسية يزيد على المائتين. توسعها داخلياً مُقدر له مقاربة الـ 500 في السنوات الخمس المقبلة. الطلب من المستهلكين وخاصة الطبقة المحدودة الدخل "موجه جاهه" بعيد عن الشراء التقليدي الاقتصادي إلى فخامة التسوق الحديثة. (المصاري) ولله الحمد (تتجاكر) جرياً خلف العروض المغرية والترغيب المستمر. العرض والطلب ميزانه قابض عليه "المصدِّر" المروِّج من الخارج، لا فرق بين سلعة مستوردة وبضاعة محلية مصنّعة تكاد تكون جميع مكوناتها مستوردة. السعر المقرر غالباً تقرره "أيادي خارجية" لسوقنا، مثله مثل ما عليه أسواق الغرب الصناعي، وفقاً لطلب السوق المحلي المشتري.
بساطة شرح واقعية تطبيق حقيقة آلية قانون العرض والطلب محلياً، توضـِّح أهمية توافر "وعي تمويني" على قدر تفعيل المعلومة وأضرار التعتيم المعلوماتي والتسرع في الأحكام غير المُدعمة. المواطن الطالب للشراء يحتاج إلى أن تتوافر له كامل معلومات الشراء للسلع المعروضة من جهات موثـَّقة، وليس من النشرات التي تقوم بها المراكز التجارية والمغريات الترويجية و"الدعايات" الحانية المظهر الخافية "الاحتمالات". الجهات الرسمية والأهلية والخاصة، القائمة حالياً لتوثيق سلامة مسيرة التعاملات "التموينية"، تنحصر في الجهة الحكومية المسؤولة عن "التجارة" التي "انسخطت" خلال نصف قرن، ودخلت ضمن "الأعمال"، التي "حارت" حركة الغرف التجارية الصناعية في معرفة أنَّ قيمة التجارة للوطن والمواطن كونها عصب الحياة المعيشية وطريق الازدهار الاقتصادي الذي تدعمه تحديات الأمور "التموينية". النهج المطلوب من الجهة الرسمية والغرف والمؤسسات المدنية، مساندة أصحاب الأعمال الجدد "الدخلاء باستحياء" على التجارة لخدمة المستهلكين، لتوفير الجودة والسعر من الاستيراد الخارجي والمصانع المحلية والمزارع والبنوك.. إلخ. مهم توفير طرق ووسائل حديثة تدعمهم لتعمل على مدار السنة، تعطي معلومات حقيقية لمتغيرات الساعة للمصادر والأنواع والأسعار وأفكار اقتناء الكثير بالقدر القليل من المال. الآليات الرسمية المسؤولة عن "الاحتياجات" من المصدر للمصب، تحتاج إلى "نظر" لتؤدي الدور المطلوب، وأن يتوافر لها المال استثمارا لحفظ المدخرات الخاصة وصيانة المال العام وتخفيض التكلفة. البورصات العالمية توفر معلومات الأسهم على الدقيقة لأكثر من السلع والبضائع والخدمات المتداولة محلياً. القدرة العلمية متوافرة لضبط "الشؤون التموينية" لتجارة رائجة لجميع الأطراف بالعدل والقسطاط.
الدخول من الرواتب والمخصصات أمرها واضح ومعروف، وتطلعات أصحاب المصالح مدوية. المواطن المستهلك من المنظور العام، يستطيع ضمن دخله أن يقتصد بالاختيار الأفضل بين السعر والجودة، وألا يكون أسير "ماركة" محددة. الحرية التجارية ضمن الأعراف والتقاليد والنظم والقوانين، أفضل من القيود العامة المقيِّدة للأوضاع الخاصة. "البائعون التجار" في مجملهم متزاحمون في التسعير، و"شـُطار" في الكيل. أعمالهم التجارية في تقلـُّص لصالح المراكز التجارية "المُغرية" مظهرياً و"البهلله" ترويجياً. استمراريتها ضمن منفعة المستهلك تتطلب الترغيب "لضغط" مصاريف التشغيل، وأهمها الإيجارات وترشيد "الفخفخة" الزائدة. تخلـُّف تخطيط المدن للتماشي مع راحة المواطنين وانتشارهم، يحتاج مراعاة تغيرات طبائعهم في الشراء لتحقيق عدالة انتشار المراكز التجارية بدلاً من تكديسها وفقاً لعشوائيات البناء وانعكاساته على التكلفة. افتقاد التخطيط السليم للمدن المصاحب للتوسعات السكانية تأثيره سلبي على التسعير. تنظيمه يتطلب "تقسيمات" (زوننج) المدن ليوفر راحة المتسوقين ومنافع "لجيوبهم".
مهما اختلفت التسميات لجميع الاحتياجات المعيشية وتعدد طرق اقتنائها وتحويرها وتدويرها، فإنها مستلزمات تموينية ضرورية وكمالية زراعية ومصنعة. الاطمئنان لعدالة التسعير وجودة البضاعة، يتطلب قيام "هيئة تـُسهـِّل" على "البائع" القابض على جميع مراحل "التسويق" وافر المعلومات للجودة بأقل الأسعار، و"للمشتري" معلومات دقيقة ومفصلة للاحتياجات والبدائل. الخدمة التموينية المطلوبة تقام على معلوماتية الاقتصاد الجديد المساندة لقرارات السلطة الرادعة عند الحاجة. الأسعار للبضائع المختلفة في الظروف العادية قابلة لمفاجآت الارتفاع والانخفاض. تهذيبها من الواقع المتوافر وإعطاء كل ذي حق حقه، يخفف من "التغاليات" البشعة، ويزيد من التنافس ويخلق بيئة متقاربة لتفهم الجوانب المختلفة لعمليات البيع والشراء.
الشراء محلياً بالريال والاستيراد للصناعة المحلية والتجارة الداخلية بالعملات الأجنبية. الخيارات بين المصادر الخارجية مهمة. الريال مرتبط بالدولار، ولا فائدة ترجى من انخفاضه ولا ضرر من ارتفاعه. البضائع بالين قابلة للزيادة والارتفاع في حدود 15 في المائة، واليورو ارتفاعه وصل إلى 30 في المائة. كثير من البضائع الأوروبية واليابانية والأمريكية تصنع في الصين والهند والبرازيل.. إلخ. العلامات الدولية عادة تكون مستويات جودتها متناسبة مع المصدر الأساسي. أسعارها وجودتها أرقى من خلافها من البلد نفسه. طالما أنَّ فرق العملة كبير، فإنَّ أهمية قيام "هيئة التسهيل" كبيرة، شريطة ألا تكون امتدادا لجهة حكومية قائمة، وتضم خبرة مواطنة أصحاب المنافع.
نهج صيانة حرية التجارة، يتطلب نظما وقوانين من واقع حياة التجارة الصادقة الأمينة لتحقيق ربح من خدمة المستهلك وراحته. الشفافية توفر قناعة الجودة واعتدال السعر دون شكوك من احتمال التلاعب والاطمئنان لدور "هيئة التسهيل" في مساندة "البائع" ومؤازرة "المواطن المشتري". صيحات المواطنين من ارتفاعات الأسعار، تزيد شكواها، طالما أن ليس هنالك موقف واضح وصريح للمسببات من الجهات الرسمية والأهلية والخاصة. التباين بين القدرة المالية المتوافرة "للمواطن المشتري" وتطلعاته الشرائية، يجعله يضع متاعب "حسرته" على التجار على الرغم من اندثارهم. المراكز التجارية الكبيرة أعدادها أقل بكثير من تجار القطاعي والجملة المنقرضة، وتفوق كميات تجارتهم. معرفة وإحصاء العوامل المسبِّبة للزيادة السعرية واختلافات الجودة بالمقارن سهلة، والتوصل للحلول أسرع. العقاب آخر المطلوب. الأفضل خفض الأسعار أو القناعة بعدالتها. الآذان الصماء لا تقنع الأفواه الجائعة.
الصيحات الإعلامية المدوية تطالب بخفض الأسعار عند التجار. توجهاتها الإعلامية ليست مقتنعة بعدالة الجهة الرسمية في التعامل بين الباعة والمشترين أمام الزيادات المتصاعدة للأسعار بدون تدخل رادع. ليس من العدل إنكار زيادة الأسعار المستمرة : أغلبها مُسبب وكثير منها مُتسبِّب. الجهة الرسمية ترصد أسعار السلع والبضائع التموينية الرئيسية، وتتحرى وجودها وتتابع الانحرافات بطرق تقليدية. القدرات والمستلزمات المتوافرة للجهة الرسمية محدودة ودون متطلبات التحديات. الكفاءات تحتاج لكثير من التطوير والاقتدار والتزود بالأجهزة والمعدات اللازمة للعملية التموينية. دور المساندة من الغرف التجارية السعودية غائب ومغيَّب، وربما دون المستويات الراقية المتوافرة لهم. دور البلديات في الأسواق مهم. متابعتهم لمهماتهم الحالية، أحسن بكثير من "أيامي في بلدية جدة". تحركاتها ما زالت "تسير الهوينى" وتصرفات "البصاصين" مثيرة "اليوم مثل أيام زمان". رقابة الأسواق بالطرق العلمية والمعدات الحديثة ُمفتقدة على الرغم من فوائدها. تطويرها بالعلم الحديث والمعرفة الخلاقة، استثمار عائده لا يمكن للجهة المالية المتخصصة في "تقطير" الأموال أن تندم على توفيره وفقاً للمطلوب لنجاح المهمة.
إصلاح المناخ العام المحلي لتوفير تراضي مصالح المواطنين المتطورة، يتطلب مراجعة كاملة وتقييما متوازنا للنظم القائمة وتطبيقاتها ومصداقية المواجهة تجنباً لاختلافات وجهات النظر للمسببات. توفير تقارب "الدخول" لمستويات المعيشة وأضرار الاستمرارية في الأوضاع القائمة يحتاج لنظر ونظارات. ("الوطن" إصدار 133/2007) تحذر وتنذر أنَّ "الفقير قد يفعل أي شيء للحصول على لقمة عيشه، وقد يكون صيداً سهلاً لكل المتطرفين، لكي يكون واحداً منهم، والخاسر في النهاية هو المجتمع بأكمله، فهل يصح السكوت عن الظواهر التي تزيد من أعداد الفقراء في بلادنا ؟".
إنـَّما التجارة الأخلاق ما بقيت أمينة آمنة. أضرار "لهو" طموحات تكاثر أموال أصحاب "الأعمال الدخلاء" على تجارة التموين القطاعي فيها نظر. تزايد رغبات المستهلكين بمعدلات تفوق قدراتهم الشرائية الحقيقية المدعومة بضغوط مغريات مالية آنية ضرره أكثر من نفعه لمحدودي الدخل. القروض الاستهلاكية المكلفة إلى "كروت" تسهيلات بنكية ترغيبية، بتكلفة مرتفعة لا تقل عن واحد ونصف في المائة شهرياً. المصرفية الإسلامية لا توفر العون المصرفي البديل للمحتاج وفقاً لما أعلنه عضو بارز في اللجنة الشرعية لبنك وطني كبير في جريدة "عكاظ" منذ أشهر قريبة ما معناه أنَّ المصرفية الإسلامية "تـُُعظـِّم أرباح البنوك الإسلامية". الفكر التمويني المنظـَّم الرسمي والأهلي والخاص عاجز عن مواجهة حقيقة التحدي للواقع الصعيب لتباين القدرات والرغبات للمواطنة الطموحة الصاعدة: متابعاتهم المخلصة ينقصها الضبط المعرفي والربط المعلوماتي لتعاطيات أعمال "مُنفـِّرة" لمتاجراتها الضعيفة لمقدرات الأفراد بعيدة عن حقيقة البيع والشراء للسلع والبضائع والخدمات بعد اندثار طبقة التجار. والله أعلم.