خلو السعودية من شلل الأطفال.. إعجاز صحي جديد

[email protected]

إن حصول السعودية، على شهادة دولية من منظمة الصحة العالمية، بخلوها تماماً من حالات شلل الأطفال منذ عام 1995، يجسد حقيقة وواقعا صحيا ملموسا، بأن السعودية، تعيش وضعا صحيا متميزا، كما أن القضاء على مرض شلل الأطفال في المملكة، يضيف إضافة صحية جديدة إلى رصيد سلسلة الإنجازات الصحية العملاقة، التي تحققت في بلادنا في الماضي.

طلعت بن زكي حافظ
بدعوة كريمة تلقيتها من الدكتور حمد بن عبد الله المانع وزير الصحة، تشرفت بحضور فعاليات الاحتفال، الذي أقامته وزارة الصحة مساء يوم السبت الموافق 3 آذار (مارس) 2007، بمناسبة مرور أكثر من عشر سنوات على خلو السعودية من مرض شلل الأطفال.
الدكتور حسين بن عبد الرزاق الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط والدكتور حمد بن عبد الله المانع وزير الصحة، ألقيا كلمتين ضافيتين خلال الاحتفال، أوضحا خلالهما، أن مرض شلل الأطفال يعد من أقدم الأمراض، التي أصابت البشرية وعرفها الإنسان منذ العصور القديمة، إذ كانت أول معرفة الإنسان بهذا المرض عام 1350 قبل الميلاد، بواسطة قدماء المصريين. ومنذ ذلك التاريخ كانت البشرية في أصقاع المعمورة كافة تعاني الأمرين من آثار ذلك المرض الخطير في صحة الأطفال والمجتمع، نتيجة لما يتسبب فيه من حالات الإعاقة والوفاة للكثير من الأطفال.
الجدير بالذكر أن مرض شلل الأطفال، مرض فيروسي حاد تراوح شدته من عدوى خفيفة بلا أعراض أو علامات إلى مرض يصحبه شلل رخو، عادة ما يصيب الأطراف السفلية من الجسم. والفيروس المسبب للعدوى، هو فيروس معوي ذو ثلاثة أنماط: 2، 3، 1، أو جميع هذه الأنماط، والذي يمكن أن يتسبب في حدوث شلل الأطفال، غير أن أكثر هذه الأنماط تسبباً في الشلل هو النمط (1) والذي عادة ما يتسبب في حدوث الأوبئة. أما بالنسبة لانتقال وانتشار العدوى، فهي تنتشر عن طريق الاتصال المباشر اللصيق، بين المريض أو حامل الفيروس السليم والإنسان المعافى، بحيث يدخل الفيروس إلى جسم الإنسان عن طريق الفم، ويبدأ بالتكاثر في مكان اختراق للغدد الليمفاوية في الحلق أو القناة الهضمية.
تنبيهاً من منظمة الصحة العالمية لخطورة انتشار المرض بين أطفال العالم، وما يتسبب فيه من حدوث مضاعفات صحية أليمة للأجيال المقبلة، أعلنت جمعية الصحة العالمية الحادية والأربعين في عام 1988، التزام منظمة الصحة العالمية، باستئصال مرض شلل الأطفال بحلول عام 2000. ووضعت تبعاً لذلك استراتيجيات محددة بغرض الوصول إلى هدف استئصال المرض، تركزت في محورين أساسيين، أولهما تطبيق نظام للمراقبة الوبائية لحالات الشلل الفجائي الرخو، وثانيهما: تمثل في تنفيذ أنشطة مختلفة للتطعيمات تتضمن رفع مستوى التغطية بالتحصين للجرعات الأساسية بشلل الأطفال، من خلال القيام بحملات وطنية للتحصين في الأماكن الأكثر عرضة للمرض والمجموعات، التي تشكل خطورة. ونتيجة لتك الجهود فقد خلت العديد من الدول الغربية من شلل الأطفال، هذا وقد تم تحقيق أول إنجاز في هذا المجال بخلو الأمريكتين من المرض، ومنحهما تباعاً لذلك شهادة من قبل منظمة الصحة العالمية بذلك في عام 1994.
حكومة السعودية هي الأخرى، تنبهت لخطورة مرض شلل الأطفال منذ وقت بعيد، وبذلت تبعاً لذلك جهودا حثيثة ارتبطت بمكافحة انتشار المرض، بل القضاء على ظهوره تماما في السعودية، وذلك منذ العام 1979. ونتيجة لتلك الجهود، فقد بدأت حالات ظهور المرض في المملكة بالتلاشي التدريجي، حتى تمكنت بلادنا ولله الحمد بتوجيهات القيادة الرشيدة، والجهود الحثيثة لوزارة الصحة، أن تخلو تماما من المرض وفق أنظمة وتشريعات وقوانين منظمة الصحة العالمية، وذلك منذ عام 1995.
الدكتور عوض أبو زيد مختار، ممثل منظمة الصحة العالمية في السعودية، قد أكد أن إعلان منظمة الصحة العالمية خلو المملكة تماماً من مرض شلل الأطفال، ما هو إلا نتاج طبيعي للنظام الصحي السعودي المتميز، الذي تتمتع به المملكة، مؤكداً في السياق نفسه، أن موقف المملكة قوي جداً بالنسبة للأمراض الأخرى المستهدفة بالتحصين، والتي تجاوزت معدلات التحصين فيها معدلات الـ 90 في المائة، كما أوضح أن منظمة الصحة العالمية، تراقب عن كثب تطور الخدمات الصحية في المملكة. وأكد في ذلك أنه لولا وجود هذا العمل الدؤوب وذاك الإنفاق اللا محدود من قبل الحكومة السعودية، لما كانت المملكة في وضعها الصحي الحالي المتميز، على الرغم من توافد عدد كبير من الحجاج والمعتمرين من جنسيات مختلفة، الذين قد يصل عددهم للملايين، يقصدون المملكة في كل عام لأداء مناسك الحج والعمرة.
خلاصة القول، إن حصول السعودية، على شهادة دولية من منظمة الصحة العالمية، بخلوها تماماً من حالات شلل الأطفال منذ عام 1995، يجسد حقيقة وواقعا صحيا ملموسا، أن السعودية، تعيش وضعا صحيا متميزا، كما أن القضاء على مرض شلل الأطفال في المملكة، يضيف إضافة صحية جديدة إلى رصيد سلسلة الإنجازات الصحية العملاقة، التي تحققت في بلادنا في الماضي، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، النجاح الباهر الذي تحقق في مجال عمليات فصل التوائم وخلاف ذلك، والتي وضعت المملكة بين مصاف الدول المتقدمة صحياً على مستوى العالم. على الرغم من تلك النجاحات والإنجازات الصحية الباهرة التي تحققت في الماضي، لا يزال وسيظل التحدي الصحي، بالذات المرتبط بالمحافظة على تلك المكتسبات الصحية خلال الأعوام المقبلة قائما، وعلى وجه الخصوص، استمرار خلو المملكة من مرض شلل الأطفال، الأمر الذي يتطلب بطبيعة الحال، استمرار جهود المملكة في تكثيف حملات التوعية، المرتبطة بآثار ومخاطر مرض شلل الأطفال، بما في ذلك الاستمرار في الحملات الوطنية للتطعيم ضد المرض، وتشديد الإجراءات الاحترازية، وتطبيق الشروط الصحية في مناطق ومحافظات المملكة كافة، للعمل على منع وفادة المرض عبر الحدود ومنافذ الدخول، وعلى الأخص أثناء مواسم الحج والعمرة، وبالله التوفيق.

مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي