Author

ذكرى انهيار السوق.. من المسؤول ؟

|
www.alfowzan.com بالأمس مرت ذكرى انهيار سوق الأسهم السعودية, بعد موجة صاعدة بدأت منذ نهاية عام 2002 حين كان المؤشر العام للسوق يقارب 2500 نقطة, حتى وصل إلى ذروته في مثل هذا اليوم من العام المنتهي 2006, وهي نسب نمو تعتبر مرتفعة جداً, كمؤشر عام وأسعار للشركات لم يسبق لتاريخ سوق الأسهم السعودي أن مر بها خلال هذه الفترة الوجيزة, وهنا لست بصدد الدخول بلغة أرقام أو إحصاءات عن السوق.. ماذا حقق منذ بدأ حتى مرحلة انهياره, بل سأحاول مناقشة أسباب ومبررات الانهيار التي هي السؤال المطروح والحاضر حتى بعد مرور سنة من بداية الانهيار, ظل هذا السؤال لدى الكثير وكأنه سر من الأسرار التي لا يطلع عليها عامة الناس, أو أنه مبهم الإجابة ولا أحد يعرف كيف يجيب عنه, بل الحقيقة أن انهيار السوق شيء مفسر ومقدر, وكانت هناك مؤشرات ومبررات واضحة لا لبس فيها, ولكن ظل الإصرار من الكثير أن هناك "مؤامرة" تمت حياكتها ونسجها بطريقة محترفة لإيقاف الارتفاع أو كبح جماح السوق, ولكن الحقيقة هي أنها اجتهادات وتفسيرات لا تستند إلى الواقع والحقيقة, وسأضع هنا - ووفق وجهة نظري - مبررات وأسباب انهيار سوق الأسهم السعودية, حتى لا تكون هناك أي تفسيرات اجتهادية غير مبررة, لأننا يجب أن نتحدث بطريقة علمية ومنطقية يمكن القبول بها, لا أن يكون المنهج المتبع هو أقوال وتفسيرات مجالس أو أطراف لا تدرك معنى أسواق مال أو ما يمكن أن يحدث بها. أولا, يجب أن ندرك أن انهيار السوق السعودي ليس سابقة غير مسبوقة في السوق السعودي, فقد حدث انخفاض في مرحلة التسعينيات من القرن الماضي إذ انخفض في عام 1994 بمقدار 28 في المائة وفي عام 1998 بمقدار 27 في المائة وأخيرا في عام 2006 بمقدار 52 في المائة. الفارق هنا أن حجم المتداولين كان خلال مرحلة التسعينيات وحتى عام 2003 مع بداية دخول شركة الاتصالات السعودية, كان عدد المتداولين لا يتجاوز 50 ألف متداول, وحين دخل اكتتاب "الاتصالات السعودية" ارتفع العدد إلى الملايين, وتواصل تزايد الأعداد مع كل اكتتاب وتحقق معها أرباح فلكية للمكتتبين جذبت معظم المواطنين لدخول السوق بأن حدث في اكتتاب بنك البلاد واتحاد اتصالات وإعمار أن تجاوز سبعة ملايين مكتتب, إذ تضخمت أعداد الداخلين في السوق وتضاعفت الأسعار وصعد المؤشر بلا توقف, هذا جزء مهم من المشكلة لم يكن يحدث في السابق لقلة الأعداد الداخلة في السوق, أيضا يجب أن ندرك كما ذكرت في البداية أن هناك مراحل انخفاض كبيرة وصلت إلى 40 في المائة في الثمانينيات لكن لأن الأعداد كانت قليلة, وتسهيلات البنوك محدودة, لم يكن لها ذكرى أو تاريخ يذكر, إذاً الانخفاضات الحادة والكبيرة هي موجودة بتاريخ السوق السعودي, ولكن انهيار 2006 طال أغلب المتداولين, فضلا عن المكتتبين, بل هناك من اقترض ومن باع منزله وسيارته وترك عمله وصفى تجارته وغيرها لكي يدخل سوق الأرباح الهائلة والفلكية, وأصبح الكل يوجه أمواله لهذا السوق, وبما أنه سوق صغير جدا, وسيولة مرتفعة جدا, وتمويل بنوك للمضاربة كانت خطأ فادحا, والاقتراض من خارج المصارف, كل هذه السيولة تم توجيهها لسوق الأسهم, التي لم تقدم, حقيقة, خدمة للاقتصاد الوطني, فلا زاد إنتاج الشركات ولا وظفت مواطنا, فأصبح سوق مضاربة بعد أن تجاوز المؤشر المستويات غير المقبولة, كل هذا الحراك والتفاعل لم يواجه من مؤسسة النقد سابقا ولا هيئة سوق المال ما يكبح هذا الاندفاع الكبير, بل تم تجاوز كل ذلك من قبل الجهات الرسمية الحكومية, حتى رأينا شركات مثل "بيشة الزراعية" بسعر 400 ريال و"المواشي" سابقا 350 ريالا, وهي الآن موقوفة بسبب خسائرها التي توازي رأسمالها, وهذا حدث قبل سنة وليس قبل عشر سنوات, هذا ما يخص الجهات الرسمية التي تراقب السوق والقياسات كثيرة على العديد من الشركات الأخرى. أيضا اكتمال القوانين والأنظمة وتطوير السوق لم يكن متوازيا مع أحداث السوق, فكان السوق مستمرا بارتفاعات كبيرة جدا, والبنوك تمول ذلك, وأحد البنوك يؤسس صندوقا استثماريا والمؤشر عند ثمانية عشر ألف نقطة, إذاً أين الجهات الرقابية الرسمية, فالأخطاء أيضا كبيرة وكثيرة من منظمي السوق ولا يتسع المجال لسرد كل شيء ولكن وضعت أمثلة. أيضا لم تكن هناك ثقافة ووعي لدى المتداولين, إذ ننتقل من خمسين ألف إلى خمسة ملايين متداول في ظرف سنة, هذا خلق اضطرابا في السوق, لكن الجميع يعتقد أنه يستطيع أن يتعامل مع السوق باحتراف وهذا خطأ كبير, عدم وجود صانع في السوق يستطيع الموازنة في حالات الارتفاع أو الانخفاض وغياب دور الصناديق الكبرى في ضبط السوق, عدم وجود بورصة وفاعلية مكاتب الوساطة كإحدى الأدوات المهمة في السوق, عدم السماح حتى الآن للصناديق الخارجية بدخول السوق وهذا عامل مهم كأداة للسوق, عدم وجود تصنيف وتقسيم للسوق يصنف الشركات القيادية, هل هي من المدرجة الجديدة أم الخاسرة؟ هذا يخلق قراءة خاطئة للمؤشر, وأخيرا المحللون الفضائيون أو في الصحف الذين صب الجميع جام غضبهم عليهم, وأنهم أسهوا في تضليل المتداولين إلى غير ذلك مما يقال. هنا لا أنفي أخطاء واستغلالا قد تكون حدثت من المحللين, ولكن ما يجب أن ندركه, أن المحلل لا يدير محافظ المتداولين, وأنه يخضع تحليلاته إلى معطيات مالية وفنية, وأنه لن يمنع انهيار سوق مهما فعل ولا يمكن له توقع قرارات يتم إقرارها في يوم كقرار تحديد نسبة التذبذب بـ 5 في المائة التي غيرت كل الموازين والقراءات, ولكن في المجمل يجب أن نعترف بتحمل المسؤولية, فحين كانت الأرباح تتحقق لم يكن للمحللين أي دور أو حضور, وهذا صحيح, فليس لهم دور فيه, ولكن لماذا توقفنا عند الخسارة على أنهم المسؤولون ولماذا لا يكون المتداول نفسه أو منظومة السوق نفسه؟ في النهاية, الانهيار يحدث في كل الأسواق وهو أمر طبيعي, وحدث لدينا كما يحدث في كل الأسواق, دورة اقتصادية حدثت بسوق الأسهم وانتهت, انتهت بكل ما حدث بها, فلا توجد مؤامرة ولا مسؤول واحد, هي مسؤولية الجميع, وأول المسؤولين الجهات المنظمة للسوق, من مؤسسة النقد أولا ثم الهيئة ثانيا والكثير من التفصيلات, دور البنوك والتمويل للمضاربات, عدم وجود صانع للسوق, تقسيم السوق, عدم إدراج شركات أثناء طفرة السوق لامتصاص قوة النقد, عدم تفعيل مكاتب الوساطة, المحللون, من يعرف ومن لا يعرف يتحدث, وأخيرا المتداول نفسه, الذي خلع كل مسؤولية عن نفسه وألبسها إما الهيئة, أو المؤامرة أو البنوك أو المحللين وغيرها. يجب أن نعترف بكل صراحة وجسارة بالخطأ أياً كان, وحين نعترف بالخطأ من كل طرف أو جهة, سيكون ذلك بداية الحل الحقيقي, بحيث لو حدثت مستقبلا بعد سنة أو عشر أو عشرين سنة طفرة أخرى تكون بأقل ضرر وخسائر. يقول فرانك ويليامز "لا تلم البورصة على أخطائك".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها