الشهر 30 يوما .. متى ينتهي؟
يلاحظ الإنسان في الآونة الأخيرة أن الأوقات أصبحت تمر بسرعة فلا يكاد يبدأ الأسبوع حتى يُفاجأ بنهايته، ولا يكاد يطلع الفجر حتى تغيب الشمس، ومع هذا التعاقب السريع للأحداث أصبح هناك ضغط نفسي على أفراد المجتمع الحرصاء على أوقاتهم، بل أصبح هذا الأمر من الصفات الشخصية للأفراد، فكثيرا ما نسمع أن فلانا مشغول وفلانا غير مشغول. فالوقت مؤشر يشعر البعض بأهميته، فيصفونه بالذهب ومع كثرة الضغوط والأعمال يصفونه أحيانا بالسيف، خصوصا إذا كانت (الواجبات أكثر من الأوقات). أما آخرون فيتمنون أن يقتلوا هذا الوقت لعدم استفادتهم منه أو لأنهم يرغبون في تضييعه بشكل آو بآخر، أو لأنه يشكل مصدر أرق بالنسبة لهم، فهم يشعرون بعدم وجودهم لأنهم لا يستفيدون من أوقاتهم وهكذا فإن الاستفادة من الأوقات وقياس العائد منها يحدد أن مدى قيمة الفرد ووزنه في المجتمع، فحياة الإنسان في مجملها دقائق وثوان.
وليست العبرة أو القيمة في الوقت بحد ذاته، بل هي في الطريقة التي يستفيد بها الإنسان من هذا الزمن والنتيجة التي يصل إليها المرء من خلاله في أي مكان كان، سواء بمفرده أو في منزله أو في عمله. ولو تمت مقارنة طبيعة الاستفادة من الوقت لدى بعض الموظفين العاملين في بعض الدوائر الحكومية، فسنجد أنها تقتصر على الاهتمام بكيفية انقضاء الشهر بأسرع وقت ممكن للحصول على الأجر أو الراتب الشهري. أما حجم الإنتاجية وما تم القيام به خلال هذه الفترة وهل نفذ ما هو مطلوب من معاملات، وهل أنجز ما أسند إليه من مهام؟ فهذا الأمر غير وارد، فالهدف هو مرور الـ 30 يوما، وتسلم الراتب مقابل هذا الانتظار وذلك الترقب، وبالتالي فإن مفهوم الإنتاجية والاستفادة من الوقت مفهوم يكاد يكون معدوما لدى بعض موظفي الدوائر الحكومية، إذ إن مقاييس تقييم الأداء الموجودة تركز بشكل أساسي على الحضور والتأخير والغياب بغض النظر عن إنتاجية كل فرد في نهاية الشهر أو حجم المعاملات التي أنجزها أو الوقت الذي استغرقه في ذلك أو سبل التطوير التي قدمها، وبالتالي فإن الموظف يبقى وكأنه محكوم عليه أن يقضي هذه المدة (30 يوما) ليتمكن من تسلم راتبه في نهاية الشهر. وفي المقابل نجد أن التقييم في بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص قائم على المؤشرات الرقمية التي يمكن الرجوع إليها واحتسابها في نهاية كل شهر، وبالتالي يتم تقييم الفرد من خلال مخططات رقمية يطلب من الفرد إنجازها بشكل شهري ويقسم دخله الشهري إلى جزءين راتب ثابت وعمولات مرتبطة بحجم الأداء والإنجاز الذي يحققه، وبالتالي فإن الاهتمام بالإنجاز وهو من أهم الأمور التي يحرص الموظف في القطاع الخاص على التركيز عليها، وقرب انتهاء الشهر بالنسبة له هاجس لا يرغب فيه بل يخشاه خصوصا إذا لم يحقق مخططاته، وحتى لو قام بذلك فهو يرغب في دخل إضافي، إذ إن كل ما يحققه من إنجاز إضافي يجد مقابله أجرا ماديا.
وهذا هو الفرق بين روح العمل لدى بعض موظفي القطاع الخاص والقطاع الحكومي، ففي القطاع الحكومي التقييم يكاد يكون معدوما والحوافز كذلك، أما في القطاع الخاص فمع المشقة والمثابرة هناك مردود مجز.
ولذلك فإننا في حاجة ماسة إلى وضع نظام لقياس وتقييم أداء مؤسساتنا الحكومية والموظفين العاملين فيها، وذلك للمساهمة في تطوير أداء هذه المؤسسات وتحسين خدماتها ونوعية القرارات التي يتم اتخاذها ومحاسبة المسؤولين في إداراتها من خلال تحديد مسؤولياتهم ومنحهم الصلاحيات المطلوبة لإنجاح أعمالهم وتوفير قاعدة بيانات لتقييم الأداء والمحاسبة والثواب والعقاب.
وحيث إن هناك العديد من الدوائر الحكومية التي لا تحدد إنتاجيتها من خلال معايير مالية أو أرباح أو خسائر، لذلك يجب أن تخضع معايير القياس لهذه الدوائر إلى تحقيق الأهداف الموضوعة لها في بداية كل عام، وكذلك قياس نتائج العمليات المرتبطة بنشاطها وتأثير ذلك في المستفيدين من خدماتها وبقدر ما يقوى هذا الترابط بقدر ما سيساهم في إيجاد نقلة نوعية وواضحة على الأداء.
إن ترقب مرور الأيام وانتهاء الشهر ترقب ينظر إليه الفرد في المجتمع الواحد نظرتين مختلفتين، فالعامل في القطاع الحكومي فرح مسرور كلما قرب هذا الانتهاء لحرصه على تسلم الأجر، أما العامل في القطاع الخاص فخائف وجل من انتهاء الشهر لعدم تمكنه من تحقيق المستهدف. ومن هنا يجب علينا أن نغرس في نفوسنا ونفوس أبنائنا أنه يجب علينا أن نجعل لنا مستهدفات في حياتنا نسعى إلى تحقيقها ونعمل جاهدين للوصول إليها لتكون لنا قيمة في مجتمعاتنا، ولنستفيد من أوقاتنا على أفضل وجه ولننهض بأوطاننا وأمتنا إلى مستويات متقدمة نفتخر ونعتز بها.