صناديق الأسهم متهمة يا مؤسسة النقد
أفترض كمتابع ومعي الآلاف ممن وضعوا أموالهم في صناديق الأسهم التي روجت لها بنوكنا التجارية طيلة السنوات الماضية أن القائمين على تلك الصناديق تتوافر لديهم صفتان رئيستان: الأولى امتلاكهم القدر الكافي من الخبرة والكفاءة التي تؤهلهم لإدارة هذه الأموال الضخمة، والثانية أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية والحرص تجاه أموال المشتركين وهذا يتطلب حمايتها من المخاطر التي حددها القائمون على الصندوق. وبعبارة أخرى أنا أفترض من مؤهل خبير أن يضع مصلحة المشترك في الصندوق في مرتبة أعلى من مصلحة البنك التي يعمل فيه، فمعلوم أن البنوك كانت تتقاضى رسوما على إدارة تلك الصناديق ولم تشارك المشتركين في الخسائر أو المخاطر، كما أنها لم تشاركهم في الأرباح أيضا. هذا الأمر جعل البنوك تتوسع وتجتهد في جذب أكبر حجم من الأموال لهذه الصناديق من أجل تقاضي رسوم الإدارة فقط، إلا أنها لم تكن تربط قبول طلبات الاشتراك بحجم المخاطر في السوق، فقد ظلت تستقبل أموال المستثمرين في حين أن مخاطر السوق كانت غير مقبولة في العرف الاستثماري، الأمر الذي ألحق بالمشتركين الجدد خسائر كبيرة تساوت مع خسائر مستثمرين من خارج الصناديق لم تكن لديهم أية مؤهلات أو خبرات.
لقد كانت الرقابة على الصناديق رتيبة بالرغم من حجم الأموال المستثمرة عن طريقها، ولم ترتبط تلك الرقابة بمخاطر السوق التي بدأت تزيد بشكل كبير منذ منتصف عام 2005م. وبعبارة أخرى كنت أظن أن الجهة التي تراقب أداء صناديق الأسهم والممثلة بمؤسسة النقد ستتدخل على الأقل لضبط حجم الأموال الجديدة التي تضخ من مستثمرين جدد في تلك الصناديق بعد وصول أسعار الأسهم لمرحلة الخطر التي حذرنا منها كثيرا، إلا أن شيئا من هذا لم يتم، فاستمرت البنوك في قبول اشتراكات جديدة واستمرت تشتري بأسعار مبالغ فيها حتى وقعت الفأس في الرأس، وكان الخاسر الوحيد هم المستثمرون فيها فقط أما البنوك فقد تقاضت رسومها وتعاظمت الأرباح التي حققتها من وراء ذلك.
اليوم بعد أن وصلت الأسعار إلى مستويات مغرية تعرفها البنوك وخبراء الصناديق الاستثمارية فيها والتي أشرت إليها في مقال الأسبوع الماضي تأتي بعض البنوك لتفتح نوعا جديدا من الصناديق ولكنها ستشاركهم في الأرباح والخسائر هذه المرة، فهي تعلم أن سوق الأسهم قد وصل إلى القاع وأن الأسعار باتت مغرية وأن توقعات تحقيق مكاسب خلال الفترة المقبلة عالية جدا .
تأتي البنوك هذه المرة لا لتقاضي رسوم على إدارة تلك الصناديق وإنما لمشاركة المستثمرين مكاسبهم المتوقعة مستفيدة من تجربتهم المريرة في الصناديق السابقة، وهنا أتساءل، لماذا لم تكن المشاركة في الأرباح والخسائر عندما كان مؤشر سوق الأسهم يرتفع بشكل جنوني؟ هل كانت تعلم أن السوق لم تعد مجدية للاستثمار وأن المخاطر زادت بشكل كبير؟ وإذا كانت الإجابة بنعم لماذا لم تتخذ أية إجراءات للحفاظ على أموال المستثمرين وقتذاك؟ ولماذا استمرت في قبول أموال جديدة؟ وأين كانت الرقابة؟
ولعلي أختم مقالتي هذه بتساؤلات أخرى مثل: لماذا تربح البنوك بشكل دائم على حساب الأفراد؟ وهل مؤسسة النقد تضع مصالح الأفراد في أولوياتها أم مصالح البنوك؟ عمولات مركبة للقروض الشخصية ولجنة منازعات متهمة وعقود لفتح الحسابات والخدمات المصرفية الأخرى جائرة وغيرها كثير.
نعم قوة النظام المصرفي مهمة جدا للاقتصاد الوطني ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الأفراد، ولا ينبغي أن يترك الحبل على الغارب لها إلى ما لا نهاية.