هل حان الوقت لتغيير اسم ديوان المراقبة العامة؟
استطرادا لما كتبت عنه الأسبوع الماضي بعنوان "هل يمكن الاستغناء عن ديوان المراقبة العامة أو دمجه؟", واستعرضت فيه القصور الواضح في التعريف بمهمة الديوان, ودوره في الرقابة على المال العام, وتأثير ذلك في نقص المعرفة لدى فئات المجتمع, ولا سيما المثقفة منها بهذا الدور, إلى حد الخلط بينه وبين أدوار جهات تنفيذية, والمطالبة بدمجه معها أو إلغائه, أو تحميله أكثر مما هو مسؤول عنه, تأثرا بما يوحي به اسمه من شمول مهمته كل أنواع الرقابة. أعود اليوم للحديث عن مسمى الديوان, والتاريخ الذي مر به هذا المسمى, مع المقارنة بما اعتمدته الدول الأخرى من أسماء لهذا الجهاز.
الأصل في تسمية الديوان
تشكلت النواة الأولى للديوان منذ صدور أول نظام للمملكة بتاريخ 21/2/1345هـ, حيث نص على تشكيل ديوان المحاسبات في العاصمة, من رئيس ديوان المحاسبات وثلاثة أعضاء يتم تعيينهم بأمر ملكي, أي أن أول تسمية للديوان كانت "ديوان المحاسبات".
وقد أبقي على هذا الاسم عندما أعيد تشكيل الديوان مع صدور أول نظام لمجلس الوزراء في المملكة بتاريخ 12/7/1373هـ, ونص على تكوين (مراقبة حسابات الدولة), وبيان اختصاصها ومهماتها, ولكن التطوير الآخر الذي صدر عام 1374هـ بموجب قرار من مجلس الوزراء, أطلق مسمى ديوان "مراقبة حسابات الدولة" وتوسع في تشكيل الجهاز الإداري له ونظام سير العمل فيه, وفقما ورد في القرار.
وعندما صدر أول نظام مستقل للديوان بتاريخ 11/2/1391هـ وجدنا أنه أبقى على اسم (ديوان المراقبة العامة) كعنوان, في حين أن النظام عندما تكلم عن مهمات الديوان واختصاصاته, أكد أن دوره ينحصر في الرقابة المالية ولم يرد في النظام, سواء بالإشارة أو النص, ما يعني أنه مكلف بأي نوع من أنواع الرقابة العامة.
الوضع في الدول الأخرى
نأتي الآن إلى التعرف على المسميات التي تعتمدها الدول لهذا الجهاز, وسبق أن قلنا إنه بصرف النصر عن اختلاف المسميات, إلا أن المقصود هو أن يكون هناك جهاز أعلى للرقابة المالية, ضمن التكوين الأساسي للسلطات العامة, التشريعية, القضائية, التنفيذية, والرقابية, يكون مستقلا تماما عن الجهات التي يراقبها, ويتبع لأعلى سلطة في البلاد.
فعلى مستوى الدول نجد أن المسميات التي تعتمدها لا بد أن تشمل لفظ المحاسبة, أو الرقابة المالية أو المراجعة, ففي الولايات المتحدة يسمونه مكتب المراجع العام, وشبيهة بذلك التسمية التي اعتمدها السودان, وهي ديوان المراجع العام, وفي الدول التي تسير على النظام الفرنسي يسمى محكمة المحاسبات, أو دائرة المحاسبات, كما في تونس, وفي مصر يسمى الجهاز المركزي للمحاسبات, وشبيهة بذلك التسمية التي تعتمدها اليمن, وهي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة, وفي سورية يطلق عليه الجهاز المركزي للرقابة المالية.
أما بقية الدول العربية فتعتمد مسمى ديوان المحاسبة, بما فيها دول مجلس التعاون غير المملكة, وهذه الأخيرة هي التسمية الشائعة, وهي الأكثر دلالة على المضمون والأقرب إلى مطابقة الاسم المسمى.
ماذا عن المنظمات الدولية؟
يشارك ديوان المراقبة العامة عضوا أصيلا في المنظمات الدولية لأجهزة الرقابة والمحاسبة، وجميع هذه المنظمات تجمع في تسميتها بين أمرين، الأول أنها عليا Supreme، أي لا سلطة لأحد عليها في استقلالها، والثاني أنها للمحاسبة والمراجعة Audit، فالمنظمة الدولية التي تضم كل الدول تسمي نفسها "المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة" واختصارها In.Tosai، وعندما نأتي إلى المنظمات القارية الأخرى نجد "المنظمة الآسيوية للأجهزة العليا للمحاسبة" واختصارها Asosai، ثم "المنظمة الإفريقية للأجهزة العليا للمحاسبة" واختصارها Afrosai، كما نجد "مجموعة العمل للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة في الدول العربية"، وهذه المنظمات التي تجتمع على أهداف مشتركة في تبادل الخبرات والزيارات، وإصدار التنظيمات التي ترتقي بمفهوم العمل الرقابي، والإسهام في حماية الأموال العامة، تتفق وتؤكد في مسميات أجهزتها على "المحاسبة"، وهو أقرب وأدق تعريف لدورها.
هل الوقت مناسب لتغيير المسمى؟
لو عدنا لما ذكرته عن بدايات تكوين الديوان، لوجدنا أن اسمه كان ديوان المحاسبات، ثم ديوان مراقبة حسابات الدولة، ثم ديوان المراقبة العامة، ويبدو أن التسمية الأخيرة أخذت من الاسم الذي كان يعرف به الديوان حين صدر نظامه الحالي 1391هـ، ولم تكن مقصودة في حد ذاتها.
ومن ثم أرى أن الوقت قد حان للتفكير في تغيير الاسم إلى ديوان المحاسبة، وذلك لقيام عدة مسوغات لهذا التغيير، منها:
ـ أن اسم الديوان يخلو من لفظ يدل على اختصاصه، بل إن اسمه يوحي للعامة، وغيرهم، بأن مهمته تشمل أكثر من الرقابة المالية، ولو قمنا ببحث ميداني بين عامة الجمهور عما يعنيه لهم الديوان لتأكد لنا ذلك.
ـ أن جميع الدول تطلق على هذا الجهاز إما ديوان المحاسبة، وهو الشائع، أو مسميات ترمز إلى الاختصاص في المحاسبة أو الرقابة المالية، ولا توجد دولة غير المملكة تطلق عليه لفظ مراقبة عامة.
ـ إننا نعيش حراكا إداريا يتمثل في جهود اللجنة الوزارية للتنظيم حول إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة، وهناك وزارات تغيرت مسمياتها، بعد عدة عقود على وجودها، وبعد أن تبين أن الصحيح هو ما انتهى إليه التغيير، كوزارة التربية والتعليم، ووزارة النقل، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، بعد أن تبين أن مسمياتها السابقة لا تطابق اختصاصاتها.
إن الأمر مطروح للجنة بأمل النظر فيه من منطلق ما تستهدفه في أعمالها وهو الوصول إلى التنظيم الأمثل لأجهزة الدولة، خاصة أن هناك مشروع نظام جديدا للديوان يجري بحثه في الوقت الحاضر.
والله من وراء القصد.