الدراسات مقبرة القرارات
أصبح من المتعارف عليه أنه إذا رغب بعض المسؤولين في تأخير اتخاذ قرار ما أو إلغائه، أن يعمد إلى تشكيل لجنة تقوم بدراسة الموضوع الذي تم عرضه لاتخاذ قرار بشأنه، وفي بعض الأحيان يكلف هذا المسؤول فريقه بأن يتم التعاقد مع إحدى الشركات الاستشارية المتخصصة لدراسة هذا الموضوع وإبداء الرأي فيه، وتقوم هذه الشركة وعلى مدار أشهر بتجميع المعلومات من العاملين في الميدان وإعادة صياغتها ووضعها في قوالب مختلفة تميل إلى ما يرغب فيه المسؤول مع وضع بعض الملاحظات. أما بالنسبة للجان فهي تجتمع في اللقاء الأول للتعارف وتحديد الموضوع، وفي اللقاء الثاني لدراسة الموضوع، وفي اللقاء الثالث لبحث المقترحات، وهكذا تتواصل اللقاءات على مدار عدة أشهر وقد تصل اللجنة في نهاية المطاف إلى أن تقرر أهمية عرض الموضوع على جهة استشارية متخصصة لإبداء مرئياتها.
وعلى الرغم من أهمية الدراسات والأبحاث وعدم التعجل في اتخاذ القرارات والاهتمام بالإحاطة بكل جوانب القضايا التي أمامنا قبل اتخاذ قرار فيها، إلا أن الملاحظ أن اللجان والدراسات أصبحت في كثير من الأحيان مثل الأمراض التي تفتك بالعديد من المشاريع، فيكفي أن تشكل لجنة أو تحيل الموضوع للدراسة لكي تقتله وتلقي به في سلة المهملات على الرغم من أن بعض هذه القرارات يكون من صلاحيات هذا المسؤول إلا أنه يتردد في اتخاذ القرار ويخشى من المسؤولية.
لقد ناقش مجلس الشورى في جلسته العادية الثانية والسبعين موضوع الدعاية والإعلان على سيارات الأجرة العامة والإعلان على المركبات والمقدم من لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في المجلس، حيث أوصت اللجنة بعدم الموافقة على الإعلان على سيارات الأجرة العامة والعربات الأخرى من الخارج، في الوقت الحاضر، وبعد مناقشة مستفيضة للموضوع طلبت اللجنة منحها فرصة لدراسة ما أثير من ملحوظات ومقترحات من قبل الأعضاء ثم تقديمها في جلسة قادمة.
وفي لقاء مع أحد المسؤولين عن هذا الموضوع، أفاد أن موضوع الإعلانات على سيارات الأجرة العامة من المواضيع المهمة والتي فيها فائدة كبيرة لأصحاب سيارات الأجرة العامة، وقد يساهم الإعلان في تخفيض 30 في المائة من قيمة قسط السيارة الذي يجب أن يدفعه العامل على السيارة، أي أن هذا العائد سيسهم في زيادة دخل أصحاب سيارات الأجرة العامة.
ومن المؤسف أن يتم رفع موضوع مثل موضوع وضع إعلانات على سيارات الأجرة العامة إلى المقام السامي، حيث إن ما يرفع إلى المقام السامي يجب أن يكون من المواضيع المهمة والتي تأخذ بعدا استراتيجيا ويؤثر في السياسات والأنظمة الرئيسية للدولة وغيرها من المواضيع التي قد تكون أكثر أهمية من إعلان على سيارات الأجرة. كما أن من المؤسف أن يكون سبب رفض بعض أعضاء لجنة النقل بالمجلس لهذا الموضوع هو إمكانية زيادة نسبة الحوادث المرورية على الرغم من وجود الإعلانات في معظم سيارات الأجرة العامة الموجودة في معظم الدول من حولنا، وقد تم تطبيقها منذ عشرات السنين ولا أعرف إن كان لمجتمعنا خصوصية تفرض عليه زيادة الحوادث عند وجود مثل هذه الإعلانات. كما أن هناك العديد من الإعلانات الموجودة اليوم على السيارات التابعة لشركات الخدمات الغذائية السريعة وغيرها من الشركات الأخرى ولم تمنع.
إننا في حاجة ماسة إلى أن يعيد بعض المسؤولين الثقة بأنفسهم وأن يمتلكوا زمام الأمور، وأن يقدروا ما بأيديهم من صلاحيات قد تسهم في تقديم الحلول لكثير من المشكلات الموجودة حاليا، وألا نخشى اتخاذ القرارات خصوصا الواضح منها والذي لا لبس فيه، وألا نجعل الدراسات واللجان مقبرة للقرارات التي تحرم مجتمعنا من الإنجازات.