Author

أهمية المنتديات الاقتصادية والقانونية في بناء الفرد

|
مما لا شك فيه أن السعودية تُعد من أهم الدول الفاعلة في المنطقة العربية, حيث تُمارس دورها العربي والإسلامي والعالمي, وتحقق نجاحات ملحوظة على المستويين الداخلي والدولي, والدليل على ذلك تنظيمها العديد من المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية الدينية والثقافية والاقتصادية, ودعمها لها, باختيار نخب من الساسة والاقتصاديين ورجال الأمن والإدارة في مختلف دول العالم, لمناقشة العديد من القضايا المهمة محلياً وإقليمياً وعالمياً. فهذه المؤتمرات تحقق للسعودية العديد من الميزات, أهمها: أنها تُعد آليات لتطوير وترسيخ مكانتها على الخريطة العالمية, وإبراز دورها الإيجابي, من حيث مكانتها كدولة إسلامية يقصدها المسلمون من جميع أنحاء العالم, ولها قدرها المتميز في نفس كل مسلم, ومن حيث دورها الاستراتيجي في المنطقة العربية, ووزنها الاقتصادي كدولة تمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم, وتمتلك رؤوس أموال ضخمة ولها استثماراتها في الغالبية العظمى من الدول, وهذا أدى إلى دعم انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية, بحيث ستصبح أحد أكبر الشركاء التجاريين في التجارة الدولية في المرحلة المقبلة. وتبدو أهمية المنتديات القانونية والاقتصادية ومن أهمها منتدى جدة الاقتصادي, والندوات المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية, مثل تلك التي تنظمها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ومركز القانون السعودي للتدريب, في أنها تتخذ من تطوير الإنسان وبنائه وفكره موضوعاَ لها. إذ إن الإنسان يُعد الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية, فهو المستفيد الأول من ثمارها, لذا فإن التركيز على إبراز دوره في التنمية, والعمل على تطويره يُشكلان الانطلاقة الأولى والضرورية لتحقيق نمو متوازن في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة, ذلك أن التنمية الاقتصادية تهدف بصفة عامة إلى القضاء على التخلف, سواء في صورته المطلقة أو النسبية, من خلال وضع السياسات الكفيلة بالارتقاء بمستوى معيشة غالبية المواطنين إلى المستوى المقبول حضارياً. فالتنمية الاقتصادية المستدامة التي يُمكن أن تؤدي إلى تحقيق الأهداف التي ينشدها المجتمع، يجب ألا تكتفي بالتغيير الكمي المتمثل في زيادة دخل الفرد ورفع مستواه المعيشي, بل يجب أن تؤدي إلى التغيير الكيفي في البنيان الاقتصادي, فمعدل التزايد في الناتج القومي الإجمالي وفي متوسط دخل الفرد لا يمكن اتخاذه معياراً وحيداَ للحكم على التنمية الحقيقية، بل لابد من إدراك أهمية تحديد المستفيد من ثمار التنمية. ذلك أن التنمية ترتكز على أساسين: الأساس الأول: مادي والآخر فكري, فيجب التفاعل بينهما, بحيث يؤثر كل منهما في الآخر, ويقوي حركته. فالتنمية تتطلب التحول من نظريات التطوير الكلاسيكية التي كانت تركز بصفة أساسية على الأساس الأول المتمثل في توفير رأس المال والبنية التحتية أو الأساسية إلى رؤية أكثر شمولية لتغطي مجالات أكبر؛ مثل بناء الطاقات البشرية وأسس المعرفة لدى الشباب, وترسيخ القيم الدينية والحضارية لديهم. ومن ثم فإن التنمية المستدامة ليست تلك التي توفر كمًا متزايداً من الرفاهية للطبقات القادرة في المجتمع؛ بل إن الحكم على مدى نجاح التنمية في المجتمع يتوقف على مدى التغير في الواقع المعيشي للطبقات الفقيرة إلى الأفضل, إضافة إلى تنمية الفرد ثقافياً وحضارياً, وبذلك تُسهم التنمية في جعل المجتمع ذا سمات حضارية مستقلة خاصة به, وليس مجرد ناقل لسمات ومنتجات الحضارات الأخرى؛ أي أن التنمية الحقيقية هي تلك التي تؤثر في المجتمع من الناحية الكيفية بالتوازي مع الناحية الكمية, بحيث يؤخذ في الاعتبار كذلك تفعيل دور الفرد في عملية التنمية, بتطوير نظرته إلى العمل باعتباره قيمة اجتماعية وليس عبئاً عليه أو مجرد وسيلة للرزق, لأنه إذا انصب اهتمام الفرد على الحصول على المال لكي يصل إلى مكانة اجتماعية معينة أو يُشبع احتياجاته, فقد لا يهتم بالعمل إذا وجد وسيلة سهلة ميسرة تحقق له ذلك كأن يقوم بامتهان أعمال غير منتجة اقتصاديا لكنها تُحقق له عائداً مادياً مرتفعاً, مثل الاستثمار في الأسهم والسندات؛ إذ في مثل هذه الحالة لا تحدث تنمية بمعناها الحقيقي, لأن أحد أسس التنمية وهو الفرد لم يُشارك مشاركة فعالة في العملية التنموية, بل اقتصر دوره على مجرد جني بعض الثمار الطفيلية, وهذا من شأنه أن يُشيع في المجتمع جواً من اللامبالاة بقيم العمل وأهميته على المدى الطويل. لهذا أرى ضرورة الاهتمام بالمؤتمرات والندوات والمنتديات التي تتناول القضايا المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية نظراً لأبعادها المختلفة من النواحي القانونية والاقتصادية ودورها في حماية منجزات الفكر والإبداع والقدرة على تحقيق تلك المنجزات في جميع مجالات العلم والتقنية والبحث العلمي والفنون والآداب. ذلك أن امتلاك هذه المنجزات وحمايتها واستثمارها تعد من المعايير المهمة التي تُميز الدول المتقدمة عن الدول التي في سبيلها للتنمية في كافة ميادين الثقافة والتجارة والصناعة؛ فالاختراع والإبداع يُعدان من أهم وأغلى ما يتميز به الجنس البشرى, لما يترتب عليهما من نتائج ملموسة تؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات وتُساعد على تطويرها وتقدمها وازدهارها. كما أرى ضرورة تفعيل التوصيات التي تتوصل إليها تلك المنتديات من خلال البحوث العلمية والمناقشات التي تدور فيها بين المشاركين والتي تعد المحصلة النهائية لها.
إنشرها