رسالة للحوار الوطني: ما علاقة المجتمع بإشكالية التوظيف؟
منذ أن انطلق الحوار الوطني في دورته الأولى عام 2003 والتي ساقت إلى تأسيس مركز رسمي له (مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بأمانة عامة), وهو يعمل على ملامسة قضايا وطنية يمكن وصفها بذات الحساسية العليا فيما ما مضى, بدأت من مسألة الحوار الفكري التي ناقشت في حينها العلاقة بين المذهبين السني والشيعي في الإطار الوطني وجمع اللقاء في حينها علماء ومشايخ من المذهبين في عاصمة الوطن, وتبع نقطة التحول هذه ست دورات أخرى ارتفع فيها مؤشر الحوار في أحايين وانخفض في أحايين أخرى تبعا للقضية التي يتناولها, لعل أبرزها ما كان ما يتعلق بالمرأة وحقوقها ثم إشكالية المناهج والتعليم.
والحوار الوطني يهدف – من حيث المبدأ – إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاورة التي تمثل أطياف المجتمع, ثم صياغة رأي عام يتسق مع هذا التقارب, بما يؤدي في نهاية الأمر إلى قبول اجتماعي للمتغير الجديد, والحوار أيضا يفترض أنه يمنح الحكومة بالون اختبار تجاه موقف المجتمع من القضية محل الحوار ويعطيها – أي الحكومة – تصورا عن المساحة التي تستطيع التحرك فيها دون أن تستثير أغلبية المجتمع, فالحوار عندما يقوم على مشاركة متنوعة من أطياف المجتمع فهو بمثابة استفتاء يستند إليه صانع القرار في اتخاذ القرارات التي تشكل منعطفات جديدة وربما خطيرة في المجتمع.
ومن هذه المعطيات فإن الحوار الوطني يفترض أن يكون مرتكز القضايا الوطنية التي تتطلب موقفا جمعيا تجاهها والتي تحتاج الحكومة أو صانع القرار لمعرفة الموقف المبدئي للمجتمع تجاهها. وخروج الحوار الوطني عن هذه القضايا إلى التفاصيل الدقيقة التي تملك القرار فيها جهات تنفيذية يفقد الحوار أهميته وقد يجرده من هدفه السامي بحيث يصبح عبئا أو عائقا أمام القرار.
ومن هذه المعطيات أيضا يبرز التساؤل حول عنوان الحوار الوطني أو الفكري في دورته السابعة التي اختير لها مجالات العمل والتوظيف, على أن يتم ذلك في شكل حوار بين المجتمع ومؤسسات العمل. ربما يكون عنوان الحوار يلامس بالفعل قضية وطنية مهمة, لكنها بالقطع لا تستوجب العمل على صياغة موقف اجتماعي موحد تجاهها لأن هذا الموقف موجود في الأصل وليس هناك في المجتمع من يعتقد أو يرفض توظيف المواطنين لدواعي اجتماعية أو أمنية أو فكرية. وإذا كان ثمة خلل في سياسة التوظيف فالمجتمع ليس مسؤولا متفردا عن حدوثها, فهناك جهات حكومية تضطلع بمسألة التوطين وتملك حق سن القرارات أو استصدارها من الجهات المعنية ومن ثم متابعة تنفيذها. وإذا كان هناك من يعطل التوطين في منشأته فإنه بالتأكيد يتذرع بأسباب فنية يمكن معالجتها في دور التعليم بجميع مراحله أو معاهد التدريب, ولم ينم إلى أي متابع بأن القطاع الخاص أو بعضه تعثر أو عطل توظيف السعوديين لأسباب "فكرية – اجتماعية" تستدعي الجلوس إلى طاولة الحوار للوصول إلى موقف وسطي اجتماعي يعين على التوطين.
وإذا كان الهدف من هذا الحوار هو إحداث دعم اجتماعي تجاه العمل, فإن الحوار يجب أن يكون في صياغة "ثقافة العمل" وليس التوظيف بحد ذاته, وفي هذا الجانب ربما يكون المجتمع مسؤولا بالفعل عن غياب هذه الثقافة لكن بالتأكيد لا يمكن خلق هذه الثقافة بمجرد جلسات عمل لا تزيد على ثلاثة أيام بمعدل خمس ساعات في اليوم الواحد, فهي قضية بالفعل لكن معالجتها يجب أن تبدأ في المدرسة بدعم المنزل والإعلام, فلا يمكن أن يغير مجتمع بأكمله نظرته تجاه العمل (ثقافة العمل) بمجرد صدور بيان يوصي بتأسيس هذه الثقافة. أما إذا كان الهدف هو محاولة لإقناع أصحاب المؤسسات بالتوطين, فإن الحوار الوطني ليس المكان المناسب لذلك, فهناك جهات ترعى هذه المؤسسات مثل الغرف التجارية ووزارة العمل, والتحاور في ردهات هذه الجهات حول "السعودة" والعمل لم يتوقف منذ 15 عاما أو أكثر قليلا, فماذا سيضيف الحوار الوطني ليخرج رعاة القطاع الخاص منه قانعين مؤمنين بقدرهم في توظيف "أبناء جلدتهم".
لم يرنو الحوار الوطني في دورته السابعة؟ .. إذا كان تعطل التوظيف لا يرتبط بموقف اجتماعي – باستثناء ما يمكن وصفه بـ "ثقافة العمل", فماذا يمكن أن يضيفه الحوار إلى قرارات حكومية تصدر منذ 15 عاما ويموت بعضها في المهد ويعاد النظر في بعضها والحوار مستمر في وضح النهار بين الجهات الحكومية المعنية والقطاع الخاص وكل يحمل حجته. وعطفا على هذا الحوار أو (الصراع) بين قرارات السعودة والقطاع الخاص في الفترة الماضية, يمنح المجتمع صكا بالبراءة بأنه لم يكن معطلا ولا رافضا لهذا التوطين بل إن جيلا جديدا من هذا المجتمع أحرقه لهيب الشمس في سوق الخضراوات وارتدى زيا موحدا في مطاعم الوجبات السريعة وفنادق الخمسة نجوم وربما النجمة الواحدة وحمل حقائب النزلاء من سياراتهم إلى حيث غرفهم, هو جيل ظهر في مراكز التسويق من صغيرها إلى كبيرها, وهو جيل يصطف أمام كل بارقة أمل وظيفية لا يعني معظمه دخلها المالي ولا دخلها الاجتماعي. فلم يتحاور المجتمع في قضية لا يملك الحل فيها ولا الربط؟