محاربة الفقر أولا
خلال الأيام القليلة الماضية نقلت وكالات الأنباء خبراً مفاده أن الرئيس الأمريكي بوش سيسعى إلى طلب مبلغ إضافي قدره 239 مليار دولار للعامين الماليين المقبلين 2007 و2008، تخصص للإنفاق العسكري. وإذا ما تم اعتماد هذا المبلغ الإضافي فإن تكلفة الحرب الإجمالية في العراق وأفغانستان – حسب وثائق الميزانية – ستصل إلى 662 مليار دولار حتى نهاية عام 2008.
وبعيداً عن التشنجات السياسية، دعونا ننظر بهدوء إلى مدلول هذا الرقم من الناحية الاقتصادية!
ومن المراجعة المتأنية لأحدث التقارير الصادرة عن البنك الدولي عن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة, فقد أمكن استخلاص أن هذا الرقم يعادل الناتج المحلي الإجمالي Gross National Income لمجموعات الدول التالية:
مجموعة الدول الإفريقية جنوب الصحراء – باستثناء جنوب إفريقيا – التي لا يزيد ناتجها المحلي الإجمالي السنوي على 272 مليار دولار.
ـ مجموعة دول الشمال الإفريقي – باستثناء مصر – وتضم سبع دول يبلغ إجمالي الناتج المحلي السنوي لها 165 مليار دولار.
ـ مجموعة دول وسط آسيا المنفصلة عن الاتحاد السوفياتي سابقاً تسع دول والتي لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي السنوي لها 78 مليار دولار.
ـ مجموعة دول شرق أوروبا – باستثناء الدول الصناعية منها – وهي تضم تسع دول يبلغ الناتج المحلي الإجمالي السنوي لها 127 مليار دولار.
إضافة إلى مجموعة الجزر المنتشرة في المحيط الهادي والهندي والأطلنطي والبحار المتصلة وتضم 11 جزيرة لا يتجاوز إجمالي الناتج فيها جميعاً 20 مليار دولار.
وهذا يعني ببساطة أن تكلفة الحرب المقرر اعتمادها من قبل الولايات المتحدة تعادل الناتج المحلي الإجمالي السنوي لعدد 78 دولة على الخريطة الدولية، وجميعها دول مستقلة ذات سيادة لها مقعد دائم في الجمعية العامة للأمم المتحدة تشكل 40 في المائة من إجمالي الدول المنطوية تحت مظلة الأمم المتحدة التي تبلغ حالياً 191 دولة.
وتشير التقارير الدولية إلى أن هناك ما لا يقل عن 400 مليون نسمة يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد وتتركز غالبيتهم العظمى في الدول الإفريقية – خاصة جنوب الصحراء – والدول النامية في شرق ووسط آسيا ودول أمريكا اللاتينية. ويُعد قياس الدخل اليومي بدولار واحد الأساس لتحديد خط الفقر المطلق ويشمل استهلاك الفرد مما ينتجه شخصياً، إضافة إلى الدخل العيني مع الأخذ في الاعتبار معامل القوة الشرائية بالدولار.
وتتباين النسبة المئوية للسكان تحت خط الفقر من دولة إلى أخرى، فربما لا تتجاوز النسبة المئوية للسكان الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد 3 في المائة كما هو الحال في الدول الصناعية كافة، وبعض دول أمريكا اللاتينية شيلي والأرجنتين والبعض الآخر من النمور الآسيوية ماليزيا وتايلاند وكوريا وغالبية الدول العربية. وقد تراوح هذه النسبة بين 3 و30 في المائة في العديد من الدول، ومن أمثلة ذلك المكسيك 10 في المائة، فنزويلا وهي دولة مصدرة للنفط 15 في المائة، الصين الدولة العملاقة 17 في المائة، باكستان 13 في المائة، كينيا الإفريقية 23 في المائة، ومن الدول العربية اليمن 16 في المائة، وموريتانيا 26 في المائة. أما الدول التي تزيد فيها النسبة على 30 في المائة فتضم كمثال من آسيا الهند 35 في المائة, والنيبال 38 في المائة ومن أمريكا اللاتينية السلفادور 45 في المائة, ومن إفريقيا زامبيا 64 في المائة، إفريقيا الوسطى 67 في المائة، نيجيريا 70 في المائة، ومالي 73 في المائة, والتي تعد أفقر دول العالم قاطبة.
ومن نافلة القول أن نشير إلى أن الدخل هو مقياس للنشاط الاقتصادي للفرد ويُعد من أهم العناصر الأساسية لتحديد خط الفقر المستخدم في المقارنات الدولية، ومع ذلك فإن الفقر له صور أخرى متعددة حيث يضم إضافة إلى الدخل مؤشرات مادية أخرى تتعلق بحصول الفرد على الضرورات الأساسية كالصحة والتعليم والتغذية، ومؤشرات أخرى معنوية ترتبط بتمتعه بالأمن والاحترام والعدل وما إليها. وإن عدم حصول الفرد على الحد الأدنى لخط الفقر المستخدم في المقارنات الدولية – دولار واحد/فرد/يوميا – له انعكاسات سلبية ليس على المؤشرات الاقتصادية فحسب بل أيضاً على المؤشرات المرتبطة بالتنمية البشرية مثل الصحة الإنجابية والخصوبة، معدل الأمية، البطالة، الوفيات وأدلة متوسط العمر وما إليها والتي تُزيد من معدلات الفقر البشري بصورة عامة.
وفي الختام نود الإشارة إلى أن هذه الميزانية المعتمدة للحرب في أكبر دول العالم قاطبة 662 مليار دولار، إذا ما تم رصدها للدول الفقيرة كانت بالقطع ستسهم بصورة واضحة في القضاء على الفقر الذي تعانيه البشرية وتعمل على تقليل نسبة الفقراء على هذا الكوكب. وبطريقة حسابية بسيطة فإن هذا الرقم كان يكفي لتغطية احتياجات ملياري نسمة لمدة سنة كاملة لمن يقل دخلهم عن دولارين يومياً من خلال تنفيذ بعض مشاريع البنية الأساسية التي توفر الخدمات الضرورية كالمياه المأمونة والصرف الصحي، وتعمل على الحد من مستويات الحرمان من بعض السلع الغذائية وتقليل معدلات الوفيات خاصة الأطفال الرضع والعمل بصورة عامة على تحسين مستوى المعيشة لملايين البشر المحرومين والتمتع بمستوى معقول من الرفاه الاجتماعي.
وقديماً قالوا لو كان الفقر رجلاً لقتلته، ولكن يبدو أن النظام العالمي الجديد غير مقتنع بهذا المثل, وأن المستجدات الحديثة والعولمة تقتضيان إعادة النظر في هذا المثل العقيم وتبادل الأدوار بين الرجل والفقر!! وستظل القضية مرتبطة بتحديد الأولويات: هل محاربة الفقر مقدم على قتل البشر أم العكس؟!.