رواتب خيالية لكنها مبررة

تتجاوز رواتب بعض المديرين التنفيذيين وحوافزهم الإضافية في شركات القطاع الخاص رواتب رؤساء الدول التي تعمل فيها شركاتهم، فلقد حصل المدير التنفيذي لشركة هوم ديبوت Home Depot الأمريكية على مبلغ وصل إلى 210 ملايين دولار كتعويض لانتهاء خدمته في الشركة التي عمل فيها ست سنوات فقط، على الرغم من أن سعر سهم الشركة انخفض يوم تركه عن سعره يوم بدء العمل.
وبغض النظر عما أنجزه ذلك المدير في شركة هوم ديبوت فإن الرواتب والمزايا الإضافية للعاملين في معظم الشركات تشهد ارتفاعا كبيرا من سنة لأخرى وأضحت مثار اهتمام ونقاش كبيرين من قبل المهتمين، فنحن في المملكة ارتفعت رواتب التنفيذيين لدينا كثيرا عن مستوياتها قبل سنوات قليلة، فهناك اليوم من يتقاضى رواتب ومزايا أخرى تزيد على مليون ريال سنويا، وتصل إلى خمسة ملايين في بعض الحالات، إلا أن التساؤلات لا تزال مستمرة عن أحقية هؤلاء بتلك الرواتب الكبيرة التي لا شك سيتحملها ملاك تلك الشركات، وهل إنجازاتهم تشفع لهم بتقاضي تلك المبالغ الضخمة.
في ظني أن العمل التنفيذي لا يرتبط بحجم ساعات العمل وانضباط المديرين بأوقاته بقدر ما يرتبط بالإنجازات التي يحققها أولئك وتنعكس على أرباح الشركة وتطوير مشاريعها ورفع مبيعاتها، وهذا يتطلب فكرا متقدا وخبرة وسعة إطلاع وجرأة محسوبة لا تتوافر في المدير التقليدي الذي يمتلئ مكتبه بالمعاملات الكثيرة ويعمل ساعات طويلة لأنه رغم ذلك قد لا تتوافر لديه سمات القيادي الناجح الذي يفوض صلاحياته ويستطيع قراءة أوضاع شركته ومستقبلها بشكل جيد.
من هنا فقد التفتت شركات كثيرة لدينا للبحث عن كفاءات تتوافر فيها تلك الشروط وقامت بعرض مزايا مغرية لهم فهي تعلم أن رفع أرباحها وتعظيم نتائجها الأخرى أهم من مسألة النظر إلى حجم الرواتب التي ستتقاضاها تلك الكفاءات، وبعبارة أخرى فهي وضعت لها أهدافا لا يمكن أن يحققها مدير يتصف بالأمانة والمثابرة ويفتقد الكفاءة والخبرة وبعد النظر.
الاستثمار في الموارد البشرية يظل في اعتقادي أهم عناصر النجاح لشركات القطاع الخاص وهذا يستلزم إقرار أنظمة حوافز مغرية ترتبط بشكل مباشر بنتائج أعمالها، فمن يزيد أرباح شركته بمبلغ 100 مليون ريال على سبيل المثال يستحق أن يشارك في تلك الأرباح بأي شكل كان.
من هنا فإن النظر إلى حجم الرواتب بمعزل عن النتائج المالية التي يحققها المدير التنفيدي والفريق الذي يعمل معه لا يبدو أمرا مقبولا في هذا العصر الذي ارتفعت فيه حدة المنافسة، كما أنه يتعارض مع أهداف قيام الشركات المتمثل في تحقيق أعلى معدلات الربحية.
ومع ذلك يظل حسن الاختيار للمديرين التنفيذيين لدينا أمرا صعبا في ظل غياب مرجعية موثوق بها تعمل على ربط طالبي العمل مع أصحاب العمل، وهذا أستطيع اعتباره أحد أهم المآخذ على وزارة العمل التي ركزت على توظيف حديثي التخرج وتركت من هم على رأس العمل، ممن يحتاجون إلى تغيير أماكن عملهم في بعض الأحيان لحصد النجاح الذي ربما يستحقونه وهذا لن يتأتى دون قيام وسيط مؤهل وموثوق، بدلا من العلاقات الشخصية التي يعتمد عليها معظمهم لتوفير فرص عمل أفضل.
ومع قناعتي بأهمية تعزيز ورفع رواتب ومزايا كبار التنفيذيين الأكفاء وربطها بنتائج أعمال الشركة إلا إنني لا أميل إلى إهمال صغار الموظفين لأن إشراكهم مهم لتحقيق أهداف الشركة فهم بطبيعة الحال القاعدة التي لا يمكن نجاح أي عمل دونها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي