الزائرة في الظلام... بدون استئذان

بحسن نية كنت (أبلع ريقي) مرارا أثناء النهار حتى لا يتحول إلى (سعابيل) نتيجة شعوري برعشة خفيفة .. وخوفا من الخمول – تناولت حبة – (حبة بنادول) لعلها تجعلني أنتعش (وأشتر) ولكن عبثا فعندما جنّ الليل فاجأتني زائرة في الظلام بدون استئذان وكان ما بيننا – ما صنع الحداد – كما قال المتنبي.
وزائرتي كأن بها حياء
فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامـي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها
فتوسعه بأنواع السقـــام
إذا ما فارقتني غسّلتنــي
كأنا عاكفان على حـــرام
أبنت الدهر عندي كل بنت
فكيف وصلت أنت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه
مكان للسيوف ولا السهـــام

هذا ما قاله المتنبي قبل ألف عام في مثل هذه "الزائرة" التي لا تخشى أحدا أبداً وتزور ضحاياها في الليل وفي النهار وتحت ضوء الشمس، حتى في هذا الزمان نشطت هذه الزائرة التي عادة تنتقل مع الطيور كالرسائل التي مع الحمام الزاجل. وفي القرن العشرين كان ضحايا – عناقها – أكثر من خمسين مليون شخص في عام 1918 وهذا رقم موثق، أما ضحاياها – في آسيا وإفريقيا – عد واغلط – إذن ضحاياها أكثر من ضحايا كل الحروب العالمية والمحلية التي قامت في الكرة الأرضية.
طبعا عزيزي القارئ أنت عرفت هذه "الزائرة" كفاك الله شرها إنها "الإنفلونزا" التي "باتت في عظام المتنبي".
وحتى يتقي العالم شر زيارتها استنفرت هيئة الأمم المتحدة أجهزتها "وخصوصا" "منظمة الصحة العالمية" ورصدت مليارات الدولارات وجندت كل المؤسسات الطبية والمستشفيات و"المختبرات الطبية" وغيرها لإمدادها بالمعلومات عن هذه الزائرة التي تأتي مع الطير المسافر – إنفلونزا الطيور – ونرى في كل عام (لقاحا جديدا) يكبح عنفوان هذه الزائرة ويلجم اندفاعها، ذلك اللقاح الذي لم أدرك فائدته حتى غشيتني "عينك عينك" في النهار واشتدت وطأتها في الليل فتذكرت طيب الذكر أبو الطيب المتنبي وحاولت أن أعبر عن مشاعري نحوها بقصيد تتميز بانعدام الكذب والنفاق قلتها وأنا أنتفض ودرجة حرارتي أربعون.

وزائرتي – وليس بها حياء –
تطارحني بنور أو ظلام
غشتني مثل إعصار عنيف
فخلخلت المفاصل من عظامي
وأشعلت اللهيب بكل جسمي
وغطتني بكربات عظام
تقلبني المضاجع لست أدري
أصاح كنت – أم كدر منامي –
أرى وهجاً وفي سمعي طنين
وفي أنفي ركام من نخام
ومرو، في فمي العسل المصفى
وأنفر من شراب أو طعام
ويؤلمني فحيح في ضلوعي
ترجّ من السعال على الدوام

عزيزي القارئ، حتى لا تقع في "شرك" هذه "الزائرة" وتعصف بك مثل إعصار "تسونامي" اركض وخذ إبرة تطعيم ضدها .. وقد أعذر من أنذر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي