لماذا التمكين الاقتصادي للمرأة؟ (1)
جاءتني الفرصة منذ فترة لتقديم ورقة عمل عن التمكين الاقتصادي للمرأة السعودية في ندوة نظمها مكتب دعوة الجاليات في مدينة جدة عن تمكين المرأة السعودية تشريعياً واجتماعياً واقتصادياً. وكان ذلك في قاعة إسماعيل أبو داوود في الغرفة التجارية الصناعية في جدة.
وكنت قد قدمت العام الماضي مقالة عن الحقوق الاقتصادية للمرأة في الإسلام، فساعدتني هذه المقالة على تقديم ورقة العمل المطلوبة مني.
وقدمت الجزء التشريعي فاتن حلواني دكتورة الشريعة في جامعة الملك عبد العزيز، وقامت الدكتورة نورة السعد بتقديم الجزء الاجتماعي وهي الكاتبة المعروفة في جريدة "الرياض"، والدكتورة في قسم علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز، و جاء دوري أخيراً بتقديم الجزء الاقتصادي.
واستفدت جداً من المعلومات التي تم طرحها في محاضرة الدكتورة فاتن والدكتورة نورة، جزاهن الله ألف خير، وبعد انتهاء جميع العروض تم فتح باب المناقشة للأسئلة والمداخلات. وأول سؤال تم طرحه من جانب إحدى الحاضرات، وأرغب جداً بذكره لأوضح نقطة معينة سيتم ذكرها لاحقاً، والسؤال هو لماذا يمنع الموظف في القطاع الحكومي من استخراج سجل تجاري وإنشاء مشروع خاص؟
وبالطبع موضوع السؤال بعيد جداً عن موضوع الندوة وأنا متأكدة أن الكثير من الحاضرات كانت لديهن أسئلة مشابهة، وهذا يدلنا على طريقة برمجة أفكار الناس فبما أننا نقدم هذه الندوة في الغرفة التجارية فلابد أننا نستطيع تقديم إجابات لكل الأسئلة المتوقعة والمرتبطة بالتجارة.
وهذه مواقف تكررت كثيراً معي عند تقديم مناسبات في الغرفة التجارية مما لفت انتباهي لهذه الظاهرة وأعتقد أن الغرفة التجارية كجهة تقدم خدمات للجمهور تستطيع تبني خطوة للرد على هذه الأسئلة خلال المناسبات النسائية المسائية التي تقام في قاعات الغرفة وخاصةً عندما يكون متوقعا حضور أعداد كبيرة من النساء، بوضع مكتب مسائي متواجد في قاعة المناسبة للرد على مثل هذه الأسئلة، وأعتقد أن هذا يساعد على تمكين المرأة اقتصادياً لأن تقديم المعلومات وتوفيرها هو إحدى أفضل وأسهل وسائل التمكين.
وبالعودة لموضوع تمكين المرأة اقتصادياً تضمنت ورقة العمل المحاور التالية:
* ماهية التمكين الاقتصادي.
* تمكين المرأة اقتصاديا في الإسلام.
* التمكين الاقتصادي في ظل الدولة.
* أرقام وحقائق.
* القرارات الحكومية لتمكين المرأة.
* آليات التمكين الاقتصادي للمرأة.
* لماذا وكيف ومن ومتى وأين؟
وعندما انتهيت من العرض كنت أظن أن الجميع متفق علناً كمجتمع بجميع أطرافه على النقاط التالية:
أولاً: مبدأ الأصل في عمل المرأة هو الإباحة وأن عمل المرأة يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ثانياً: أن السبيل إلى تقوية الأسرة والمجتمع هو تقوية المرأة اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
ثالثاً: أننا كمجتمع ندعم عمل المرأة كلياً وفي جميع القطاعات والمؤسسات الحكومية والخاصة بشرط إيجاد استراتيجية تضمن مبدأ عدم الاختلاط المباشر مع الرجل والمحافظة على الدور الأسري.
رابعاً: على مستوى الدولة والمجتمع تم الاعتراف بوجود الفقر في المجتمع، وأن انخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل قد يكون أحد العوامل المؤثرة في زيادة نسبة الأسر الفقيرة (أحد العوامل وليس العامل الوحيد)، وعدم المواجهة لمعالجة الفقر ستكون لها انعكاسات سلبية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وأمنية على المدى القريب.
وهذا ما ظننته ويالخيبة فكري، ظننت أن هذه حقائق وأننا سنطرح الموضوع المهم وهو كيف نمكن المرأة اقتصادياً كي تستطيع مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها (وبالطبع الفئة المستهدفة هنا هي المرأة الفقيرة أو المرأة المعيلة التي لا عائل لها مثل المطلقة والأرملة أو زوجة المريض أو المقعد).
إضافة لذكري حقيقة مهمة وهي أن فكر التمكين المقصود لا يعني زيادة نفوذ المرأة، ولا يعني السيطرة على الآخرين، ولا أن تصبح المرأة ذات نفوذ أقوى في مواجهة الرجل، أو أن ينقلب هيكل السيطرة لصالح المرأة بدلاً من الرجل، بمعنى أكثر تحديداً استبعاد الاعتقاد السائد أن كل مكسب للنساء يعني خسارة للرجل أو العكس، ولكن الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه فكر التمكين هو زيادة نفوذ المرأة في شكل دعم قدراتها، واعتمادها على نفسها وتنمية قدراتها الذاتية التي تنعكس بدورها في قدرتها على الاختيار في الحياة، والتأثير في اتجاهات التغيير في المجتمع للأفضل لها ولأبنائها وعائلتها عند الحاجة.
إن قضية تمكين المرأة لا ينظر إليها في نطاقها الضيق، أي من حيث العلاقة بين الجنسين فقط، ولكنها تعد قضية ذات أبعاد تنموية ومجتمعية شاملة، ويعني ذلك أن الهدف ليس فقط تصحيح أوضاع النساء وخاصة الفقراء منهن، ولكن أن يتم ذلك من خلال رؤية بديلة لمجتمع ينظر للمستقبل في إطار محلي وإقليمي ودولي.
والتمكين الاقتصادي: هو قدرة المرأة على الحصول على حقوقها الاقتصادية وتنمية هذه الحقوق بممارسة دور فعال في المجتمع لتنمية هذا المجتمع.
وللأسف كنت أظن أن الكلام ومعناه واضح وأن المناقشة ستبدأ بآليات التمكين وأننا سنخرج بتوصيات مفيدة ولكني صدمت بما حدث، وهذا ما سأطرحه في المقال التالي، إن شاء الله.