شركات التقسيط تتحول إلى (شركات قروض)
لا يزال للحديث بقية وسيكون الملف مفتوحا، فالقروض والإقراض جزء رئيس من النشاط الاقتصادي المبني على السلوك الاستهلاكي، هكذا قالها لي أحد الأصدقاء معلقاً على الحلقتين السابقتين اللتين تناولت فيهما هذه القضية المثيرة للجدل، ليس للمواطن فحسب، بل أجزم بالقول إنها تؤرق صاحب القرار في السياسات المالية والنقدية في الوطن، والدليل على ذلك خفض المصارف حجم القروض من نحو ما يساوي 60 راتبا للموظفين إلى 15 راتبا، على خلفية ما حدث في سوق الأسهم!
إن مطالبي للمصارف بأداء دورها التثقيفي والرقابي في سوق الإقراض، تمثل في إنشاءها شركة تحت اسم "سمة" والمتخصصة في متابعة السجل الائتماني للعملاء لتقييم المخاطر المالية لكل عميل، ما ينعكس إيجابا على العملاء المنتظمين، وعلى الخدمات المصرفية وتكاليفها ويحد من المخاطر المالية على البنوك المحلية، سيدفع أيضاً البنوك لخفض الفائدة ونسب المخاطرة التي كانت تحول في الفترة الماضية دون منح قروض شخصية لبعض العملاء. وهذه البادرة، التي كنت أراقبها يوماً، تمثل عمقاً جديداً في السوق، شريطة أن تؤدي أخيراً إلى بناء سجل ائتمان رسمي، لكل مواطن يتعامل مع القطاع المصرفي.
والجديد في مقال اليوم وهو أمر مهم جداً، لفت النظر إلى دخول لاعبين جدد في سوق الإقراض، عدا المصارف، التي تعتبر المورد الرئيسي، فما حدث أن نمو السوق وزيادة (حجم الكعكة) إضافة إلى ضعف الرقابة أحياناً كثيرة، نقلت عدوى "ورطة القروض" إلى شركات التقسيط، فلم تعد هذه الشركات تعمل في نشاطها الأساسي وهو التمويل على رغم تسميتها بـ (التقسيط)، إذ دخلت شركات التقسيط العامة في السوق التي أصبح عددها ضخما جدا بلغ أكثر من مائة شركة، بحسب إحصاءات شبه رسمية، فمنها ما هو متخصص في تقسيط شراء السيارات ومنها ما هو متخصص في شراء الأدوات الكهربائية والأثاث، وحتى تكاليف السفر إلى الخارج أصبحت الآن بالتقسيط حتى شركتا فيزا وماستر كارد العالميتان لبطاقات الائتمان، أسهمتا في زيادة حجم التوزيع في السوق السعودية بشكل كبير جدا.
شركات التقسيط، مثل المصارف تستفيد من "فوائد" القروض الاستهلاكية التي تفرضها على المقترضين وهي فوائد مركبة وليست بسيطة، وهذا يعني أن المقترض مبلغ 100 ألف ريال على أساس الدفع على فترة عشر سنوات، سيقوم بإرجاع مبلغ مائتي ألف، وهذه الأقساط تستقطع من مرتبات المقترضين بنسب متفاوتة ولكن أكثر من ثلثيهم تقتص الأقساط منهم بنحو ثلث الراتب، وقد بلغ حجم تلك القروض للأفراد في نهاية عام 2006 مبلغ 198 مليار ريال وهو ما يعادل أكثر من عشرة أضعاف ما كانت عليه عام 2000.
ونظرا لعدم وجود إحصائيات رسمية عن قيمة تعاملات شركات التقسيط ولكن هي كبيرة الحجم بسبب تفضيل أغلبية الأفراد التعامل معها بسبب العامل الشرعي الذي تتسم به تعاملات شركات التقسيط، فإن التوقعات تشير إلى أن شركات التقسيط العاملة في السعودية بمنح قروض تصل قيمتها إلى 70 مليار ريال سنوياً، وبالطبع تستفيد هذه الشركات من عامل مهم جدا هو انعدام الضريبة على الأقساط مثلما هو مطبق في جميع دول العالم!
ولمشكلة شركات التقسيط وجه آخر بعد أن تحولت إلى شركات قروض كما سبق أن أشرت في سوء العلاقة بين المقرض والمقترض، إذ وجهت وزارة الداخلية شركات ومكاتب تأجير السيارات العاملة في السعودية بعدم سحب السيارات التي يتخلف أصحابها عن سداد ما عليهم من أقساط شهرية. وحددت الوزارة عدة ضوابط لسحب السيارات من قبل هذه الشركات أهمها ألا يتم السحب إلا بعد التنسيق مع الأجهزة الأمنية وكذلك توجيه عدة إنذارات للمستأجر فإن لم يتجاوب مع ذلك يتم إبلاغ الجهات الأمنية، ويأتي هذا الإجراء بعد تزايد تلقي الجهات الأمنية بلاغات من مواطنين تفيد قيام تلك الشركات بسحب السيارات من إمام منازلهم.
وأبلغت وزارة الداخلية شركات تأجير السيارات في السعودية بأن المحاكم الشرعية لها الولاية العامة في نظر أي قضية خلافية تعرض عليها إلا ما استثني بموجب النظام، وأن قطاع تأجير السيارات كغيره من القطاعات الأخرى وليس له ما يخصه. وتظهر الإحصاءات أن حجم المبالغ المالية التي لم تتمكن الشركات من تحصيلها خلال السنوات الخمس الماضية نحو 500 مليون ريال تقريبا منها 90 في المائة لدى العملاء الهاربين أو الممتنعين عن السداد، والنسبة المتبقية لدى بعض الشركات المتعثرة عن دفع المبالغ المترتبة عليها.
وتكشف دراسة أجرتها غرفة تجارة وصناعة جدة، أن أحد أكبر المعوقات التي تؤثر سلبا في قرار الاستثمار في قطاع السيارات المصاعب التي يتحملها العاملون في هذا القطاع لتحصيل مستحقاتهم لدى الغير وبخاصة بعد تغيير إجراءات تحصيل الديون من وزارة الداخلية إلى المحاكم الشرعية، حيث تقترح شركات تأجير السيارات السماح لها بتشكيل لجنة مختصة تابعة لوزارة الداخلية للنظر في القضايا بحيث تكون لها صلاحية البت دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء، وأنه إن لزم الأمر فلا يكون ذلك إلا في حالات تفوق مبالغها مائة ألف ريال.
ختاما إن المطالبة بإنشاء هيئات أو لجان قضائية لتحصيل الديون داخل المحاكم العامة للبت في القضايا خلال 30 يوما، وإلزام أقسام الشرطة بتنفيذ القرارات والأحكام ضد المدنيين في أسرع وقت ممكن مع العمل على إحالة المطالبات إلى الحقوق المدنية، تحتاج إلى مساهمة من القطاع الخاص .. للحديث بقية!