لماذا لا يتحرك العرب والمسلمون ضد غزاة أوطانهم؟
أكثر مناطق العالم توترا وابتلاء هي مناطق عربية وإسلامية، العراق وأفغانستان ودار فور في السودان والصومال بحربه الأهلية ولبنان وفلسطين. ولا نكاد نرى أزمة دموية في أي قطر في العالم. خارج نطاق العالم الإسلامي أليس ذلك مثيرا للدهشة والعجب ومبررا للتساؤل البرئ ؟ لماذا ديارنا وبلادنا هي التي تحظي بهذا القدر من المعاناة؟ هل نحن الدول الوحيدة التي تمثل مطمعا للآخرين ؟ كلا.. فهناك دول أغنى مثل جنوب إفريقيا ودول لديها النفط والمعادن ولكنها لا تبلى بالهجمة الاستعمارية الشرسة. لماذا وضعتنا القوى العظمى في قائمة التوتر والعنف وأتون الحرب المستمرة التي تنهي التنمية وتنهك المواطن؟
الإجابة ببساطة هي الضعف الشديد وانعدام احتمالات إلحاق الضرر بالأعداء، فعلى قدر معاناة الظالم على قدر توقعنا أن يكف عن ظلمه، ولكن إذا وجد هذا المعتدي حصانا مسروجا فلماذا لا يمتطيه؟ وإذا وجد ظهرا عاريا فلماذا لا يضربه؟
هذه لغة السياسة التي عرفها نيتشه وشوبنهاور فلاسفة القوة ومبدأ الحق هو القوة Might is Right والقوة هي الحق. وهو مبدأ عاش وسيستمر لأنه يوافق طبيعة الإنسان الذي يميل إلى الطغيان إذا علا وينزع للهوان إذا هوي.
وعلى قدر الثمن الذي ترغم عدوك على دفعه على قدر ما تحصل من هيبة وعزة ومكانة، أما إذا ترك سادرا في غيه فلماذا لا يتمادى؟
إن الضعفاء بحاجة إلى استراتيجية تجمعهم وتحافظ على الحد الأدنى اللازم لبقائهم، فإن استمرارهم تحت سنابك الأسياد من الأعداء هو الانتحار المؤجل والمذلة الأبدية. وكيف نجافي الحكمة الأبدية التي لخصها زهير بن أبي سلمي في بيته الشهير:
ومن لم يزدد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
وكرر أحمد شوقي المعنى نفسه حينما أهدى ابنته بندقية قائلا:
فخذ هاك بندقة نارها سلام عليك إذا تسعر
فمن يعدم الظفر بين الذئاب فإن الذئاب به تظفر
أن أعجب ما نراه الآن هو ما أحدثته استراتيجية التفريق والتخويف في نفوس الدول الصغرى، بحيث أصبح من الصعب أن نجد موقفا موحدا لدولتين رفضا لموقف أمريكي باغ. ويقف شافيز وحيدا في فنزويلا، بينما كان من الممكن أن يسانده العشرات. ولكن بعد بيع جورباتشوف لبلاده أصبحت أمريكا السيد الوحيد، والآمر الناهي وتفكر الحكومات مليا قبل أن تقول للغول إن عينك حمراء.
وهذا هو قلب المشكلة.لأن موازين الحياة لا تقبل أن تسيطر قوة أحادية تحركها عناصر مشبوهة كالصهيونية والمحافظين الجدد على مقادير الشعوب. ونحن على ثقة بإنه وضع مؤقت لأنه ضد ناموس الحياة. ويذكر التاريخ مثالا مشابها هو دولة روما القديمة العسكرية، التي قال قادتها "كل الطرق تؤدي إلى روما" لأن الأسرى كانوا يشقون الطرق بين بلادهم المهزومة وروما اليافعة القوية التي أذاقت الشرق والغرب عذاب الاستقواء والبطش. حتى جاء يومها فانطلقت نحوها قبائل الهاون والتيوتون والماجيار والجيرمان فأحرقوها ولم يرحموا فيها رجلا ولا امرأة، وسقطت وسط تنهيد الشامتين وسقط معها الحلم الأحادي، حتى عاد مع الولايات المتحدة. وإذا كان " كتر النوح يعلم البكا" كما يقول مثل مصري فإن طول البطش يولد القوة المضادة، ومع زيادة عدد الرافضين والقوى الراغبة في إقرار كرامتها تتهاوي فرص الطرف الطاغي والمستعمر الأوحد الذي يجمل نزعته التسلطية الاستعمارية بحلو الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية والرخاء وهي شعارات يدخرها لنفسه وشعبه ويصدر للآخرين الموت والدمار.
لماذا أصبحت دارفور القاحلة باقة ورد مزهرة تفوح منها ريح عطرة تجذب أنف العم سام؟ وماذا قدمت واشنطن الثرية على امتداد تاريخ طويل لضحايا المجاعات في دارفور أو غيرها في النيجر وإفريقيا الوسطى وتشاد ودول الساحل التي شهدت منها الكثير؟ وما هذا الحرص المفاجئ على سلامة دارفور ورخاء شعب دارفور؟ ولماذا كل هذا الجهد وتجييش الجيوش وتجنيد الأمم المتحدة واستغلال انتهازية وجبن بعض الحكومات لإعداد جيوش غير أمريكية تموت من أجل حصول أمريكا على يورانيوم ونفط دارفور. لقد أغرى واشنطن ما صنعته في جنوب السودان فالتفتت لتمزيق هذا البلد الشقيق ونحن واقفون لا نملك حتي الاحتجاج ناهيكم عن الرفض أو التصدي.
ولماذا أصبح الصومال موضع الاهتمام؟ ولماذا سمح لدولة معادية للصومال أن تدخل لتسوية حسابات لصالح طرف؟ هل نسي الصوماليون الأوحادين الذي احتلته إثيوبيا؟ وهل فقد الصوماليون بما عرف عنهم من قوة شكيمة القدرة على إخراج بلادهم من دوائر النفوذ المشبوهة التي تعد إثيوبيا أهم موطئ قدم لسادتها من الأمريكيين والصهاينة؟!
أما لبنان فقصته أكثر تعقيدا ونظرا لوعي اللبنانيين وتمرسهم بالمؤامرات الإسرائيلية المظللة بالعم الحنون سام، فإن الأمور مرشحة للاشتعال ولكن النتيجة لن تكون في صالح المعسكر الإسرائيلي كما تحلم واشنطن، وستعاني لبنان ولكنها ستربح في النهاية.
وفلسطين التي أكسبتها الضربات ضراوة وصلادة تزداد قوة بحيث يمكن القول إنها قضت على الحلم الصهيوني التوسعي مهما نفخ فيه الأمريكيون، فالجدار العازل هو سور وحائط يشبه قلعة المسادا التي انتحر فيها اليهود. ولم تنجح وسائل الإفاقة الأمريكية في تحويل نمر الورق إلى نمر حقيقي كذلك الذي أخافت به البعض فأصبحوا يمتثلون لها.
وأفغانستان أرض معركة ممر خيبر التي أبيد فيها جيش بريطاني كامل عندما كانت بريطانيا تحكم العالم وتستعمر ثلثه. لا بد وأن تقدم الدرس المطلوب في المقاومة حتى لا تبقي دولة عربية أو إسلامية تحت الاحتلال.
وفي العراق لا داعي للكلام، ويكفي اعتراف بوش بتردي موقفه، وهو ما يذكرنا باعترافات جونسون ونيكسون ومن بعدهما الهزيمة المدوية في فيتنام.
أن المخالب والأنياب الأمريكية بلاستيكية لا تخيف، وهي تجيد لعبة التخويف وفرق تسد، أما إذا تجمع المظلومون وأصحاب الحقوق فإن أصغر جزيرة ستصبح قوة تؤذي الأمريكيين، ولتتذكر شخصية الأمريكي الذي يحترم القوة وينحني لمن يصفعه ويستأسد على الضعاف. فقد نشأ هذا الشعب في ثقافة الحياة للأسرع إطلاقا للنار والأسرع في اقتناص الفرصة والأقوى دائما هو الفائز. والرسالة واضحة، لابد من تعاون وتكاتف على الحق للمطالبة بالحقوق وكف يد الأعداء عن بلادنا.إذا كانوا حقا صادقين في دعاواهم حول رفض الإرهاب ونشر الازدهار. فلنهب جميعا ونتلاقى لتحديد مطالبنا في هدوء وثقة ولنقف وقفة رجل واحد في وجه الظلم السافر لنوجه لأمريكا سؤالا واحدا:
لماذا بلادنا بالذات؟