إعدام صدام مفصل خطير سيفتح باب الفتنة

[email protected]

صبيحة يوم عيد النحر، وفي توقيت يثير علامات استفهام ذات دلالة سياسية أعدم الرئيس العراقي السابق صدام حسين شنقا في موقف مهيب، وبعدها مباشرة عجت القنوات الفضائية ومنتديات الحوار والمجالس في كل مكان بتداول هذا الحدث ورثاه من رثاه وبكاه من بكاه من العراقيين والعرب من المحيط إلى الخليج، في حين احتفل بعض العراقيين بإعدامه بالمظاهرات وإطلاق النار في الهواء، في موقفين متضادين جديرين بالملاحظة.
لا أحد من العراقيين أو العرب المحايدين الذين فوجئوا بالخبر يستطيع أن يبرئ ساحته من أحداث كثيرة أسهم فيها بقصد أو دونه داخل العراق أو خارجه، فنحن في المملكة ما زلنا نتذكر وكأنه الأمس القريب صواريخ صدام تمطر عاصمتنا الرياض ونتذكر جنوده في مدينة الخفجي، ومازلنا نحمل تبعات هفواته الخطيرة وما تكبدته المملكة اقتصاديا، بدءا من حربه الأولى مع جارته إيران إلى مغامرته الثانية في الكويت، حتى أولئك الذين نالهم نصيب من جبروته شعروا بالحزن وشعور آخر سيأتي عليه لاحقا بعد أن سمعوا بخبر إعدامه.
أن يحاكم صدام حسين فهذا نصيبه، وأن يعدم نتيجة حكم قضائي عادل ونزيه، وفي ظل حكومة جامعة للأطياف العراقية كافة فهذا قدره، إلا أن ملابسات محاكمته والظروف المحيطة بإعدامه أسهما في غصة لم يستطع كل عربي صادق مع نفسه أن يتجاوزها بالقول إن ذلك قدره الذي يستحقه، لا يمكن لأي عربي تجسد مروءة أجداده وتقاليدهم مع الأسرى أن يمرر إعدامه يوم عيد النحر المبارك بسهولة وبحُسن نية، لأن الأمر انطوى على إيصال رسالة واضحة وصريحة يقول فيها من ضغط لتنفيذ الحكم أنه موجود وأنه قادر ويستطيع أن يفعل ما يشاء في أرض الرافدين، أرض الخلافة العربية، لم نكن ننتظر أن تصل تلك الرسالة لكل مواطن عربي وأن تدخل كل بيت، فقد كنا نتوقع أن تكون رسالة سياسية محضة يفهمها رجال السياسة ويتعاملون معها، ولا تمس كرامة العرب السنة وهيبتهم، ولكن حصل ما حصل ومات صدام في ظروف أقل ما يُقال عنها إنها غريبة مريبة ولا تتفق مع شمائل العربي المسلم الأبي الشهم .
وكما ذكرت سابقا لا يمكن إغفال الرسالة التي انطوت على إعدامه يوم العيد وفي وقت يستعد البغداديون فيه نحر أضحياتهم وبهذه السرعة المريبة، ولكن السؤال ممن تلك الرسالة وما هدفها؟
يشعر الكثير من العرب أن العراق يحكم ومنذ حكومة الجعفري بالوكالة، إن جاز لي التعبير، فقرارات حكومته وطريقتها في الحكم يدلان بوضوح أنها لا ترغب في الانتماء إلى عمقها العربي، وعملت على الانسلاخ منه لترتمي في أحضان الآخر، فالجانب العقدي مسيطر على الائتلاف الحاكم في دولة يُفترض أن تكون مدنية تحظى فيها أطياف العراقيين كافة بالمساواة في الحقوق والواجبات وأن ترسخ علاقاتها التاريخية مع عمقها العربي.
لست من دعاة ومناصري الطائفية، إلا أنني لا أستطيع أن أتفهم سبب إعدام صدام حسين يوم العيد، وبعد أيام قليلة من مصادقة محكمة التمييز على الحكم في وقت تنظر محكمة أخرى قضية الأنفال التي قيل إن أطرافا غير عراقية قد تكون متورطة فيها بشكل أو بآخر، ولعل مطالبة وزير الخارجية السابق طارق عزيز بالحضور للمحكمة للشهادة وتصريحه بأن لديه أقوالا مهمة قد عجل إعدامه لتطوى أوراق القضية إلى الأبد من أجل ألا تظهر الحقيقة للناس والتاريخ.
وهناك أمر آخر أتعجب منه وأستغربه أيضا وهو سياسة الحكومة الأمريكية في العراق، بدءا من غزوها وانتهاء بإعدام صدام، فهي قالت إنها حررت العراق من طاغية يدعم القاعدة ولديه أسلحة دمار شامل، فتبين أن الحقيقة خلاف ذلك تماما، وحلت الجيش النظامي ما أدى إلى فوضى أمنية عارمة وتمكن بعدها بعض الأطراف النافذة من السيطرة على الأجهزة الأمنية وغيرها ففقدت حياديتها وأسهمت في تأجيج الطائفية والفوضى السائدة اليوم، كما أنها في ظني خدعت من حلفائها الذين وصلوا بغداد على ظهر الدبابات الأمريكية ليحكموا بعد ذلك العراق، في حين لم تستطع أن تتبين مواقفهم الحقيقية وانتماءاتهم الفعلية، وغضت الطرف عن دعم واضح وخطير من الجار الشرقي لأطراف طائفية شيعية أعملت القتل في أوساط السنة بحجج واهية، كما أنها لم تستطع أن تواجه المنفذين لقوائم الموت المرسلة من الخارج، ليخسر العراق بذلك أهم طاقاته البشرية في القطاعين العسكري والمدني.
ولكن هل سيكون إعدام صدام مفصلا تاريخيا خطيرا؟ أعتقد أن الإجابة بنعم، فلا يمكن للعرب السنة في العراق أن يبلعوا الإهانة بهذا الشكل المؤذي، ولن تستمر أوضاع العراق على حالها وربما سيكون مكانا لمواجهة طويلة بين فريقين يعتقد كلا منهما أنه جُرح في كرامته، الأول قبل الإطاحة بصدام والآخر بعد إعدامه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي